أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٥٥٢
الآية، وأن الأتقى لا يردها، إلا أن وجود تلك المذكورات يمنع من القول بالتخصيص. والله تعالى أعلم.
وفيه تقرير مصير القسمين المتقدمين، من أعطى واتقى وصدق، ومن بخل واستغنى وكذب، وأن صليها بسبب التكذيب والتولي والإعراض وهو عين الشقاء، ويتجنبها الأتقى الذي صدق، وكان نتيجة تصديقه أنه أعطى ماله يتزكى، وجعل إتيان المال نتيجة التصديق أمر بالغ الأهمية.
وذلك أن العبد لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض، لأن الدنيا كلها معاوضة حتى الحيوان تعطيه علفا يعطيك ما يقابله من خدمة أو حليب. إلخ.
فالمؤمن المصدق بالحسنى يعطي وينتظر الجزاء الأوفى الحسنة بعشر أمثالها، لأنه مؤمن أنه متعامل مع الله، كما في قوله: * (من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا) *.
أما المكذب: فلم يؤمن بالجزاء آجلا، فلا يخرج شيئا لأنه لم يجد عوضا معجلا، ولا ينتظر ثوابا مؤجلا، ولذا كان الذين تبؤوا الدار والإيمان، يحبون من هاجر إليهم ويواسونهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إيمانا بما عند الله، بينما كان المنافقون لا ينفقون إلا كرها ولا يخرجون إلا الرديء، الذي لم يكونوا ليأخذوه من غيرهم إلا ليغمضوا فيه، ولك ذلك سببه التصديق بالحسنى أو التكذيب بها.
ولذا جاء في الحديث الصحيح (والصدقة برهان) أي على صحة الإيمان بما وعد الله المتقين، من الخلف المضاعفة الحسنة.
وقوله: * (يؤتى ماله يتزكى) *، أي يتطهر ويستزيد، إذ التزكية تأتي بمعنى النماء، كقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) *، وهذا رد على قوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) *، وعلى عموم: * (فأما من أعطى واتقى) *، ولا يقال: إنها زكاة المال، لأن الزكاة لم تشرع إلا بالمدينة، والسورة مكية عند الجمهور، وقيل: مدنية. والصحيح الأول.
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»