أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٥٣١
بلده مسقط رأسه فصبر، ولم يدع عليهم، ورضى الدخول في جوار رجل مشرك وهذا هو المناسب لقوله بعده * (لقد خلقنا الإنسان فى كبد) *، وهذا من أعظمه.
فإذا كان كل إنسان يكابد في حياته، أيا كان هو، ولأي غرض كان، فمكابدتك تلك جديرة بالتقدير والإعظام، حتى يقسم بها. والله تعالى أعلم. * (ووالد وما ولد) *. قيل: الوالد هو آدم، * (وما ولد) *، قيل: ما نافية. وقيل: مصدرية.
فعلى أنها نافية: أي وكل عظيم لم يولد له.
وعلى المصدرية: أي بمعنى الولادة من تخليص نفس من نفس، وما يسبق ذلك من تلقيح وحمل ونمو الجنين وتفصيله وتخليقه وتسهيل ولادته.
وقيل: ووالد وما ولد: كل والد مولود من حيوان وإنسان.
وقد رجح بعض العلماء أن الوالد هو آدم، وما ولد ذريته، بأنه المناسب مع هذا البلد لأنها أم القرى، وهو أبو البشر، فكأنه أقسم بأصول الموجودات وفروعها. * (لقد خلقنا الإنسان فى كبد) *. تقدم بيانه عند قوله تعالى: * (ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) *. * (يقول أهلكت مالا لبدا * أيحسب أن لم يره أحد) *. لم يبين أيراه أحد؟ ومن الذي يراه؟
ومعلوم أنه سبحانه وتعالى يراه، ولكن جاء الجواب مقرونا بالدليل والإحصاء في قوله تعالى بعده * (ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين) *، لأن من جعل للإنسان عينين يبصر بهما ويعلم منه خائنة الأعين، ولسانا ينطق به ويحصى عليه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وهداه الطريق، طريق البذل وطريق الإمساك، وإذا كان الأمر كذلك فلن ينفق درهما إلا وهو سبحانه يعلمه ويراه
(٥٣١)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»