وقد اختلف في المراد بحل هل هو من الإحلال بالمكان، أو هو من التحلل ضد الإحرام؟
فأكثر المفسرين أنه من الإحلال ضد الإحرام، واختلفوا في المراد بالإحلال هذا.
فقيل: هو إحلال مكة له في عام الفتح، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده.
وقيل: حل: أي حلال له ما يفعل بمكة غير آثم، بينما هم آثمون بفعلهم.
وقيل: حل: أي أن المشركين معظمون هذا البلد وحرمته في نفوسهم، ولكنهم مستحلون إيذاءك وإخراجك.
وذكر أبو حيان: أنه من الحلول والبقاء والسكن، أي وأنت حال بها. ا ه.
وعلى الأول يكون إخبارا عن المستقبل ووعدا بالفتح، وأنها تحل له بعد أن كانت حراما، فيقاتل أهلها وينتصر عليهم أو أنه تسلية له، وأن الله عالم بما يفعلون به، وسينصره عليهم.
وعلى الثاني: يكون تأكيدا لشرف مكة، إذ هي أولا فيها بيت الله وهو شرف عظيم، ثم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حال فيها بين أهلها.
والذي يظهر والله تعالى أعلم: أن هذا الثاني هو الراجح، وإن كان أقل قائلا، وذلك لقرائن من نفس السورة ومن غيرها من القرآن الكريم.
منها: أن حلوله صلى الله عليه وسلم بهذا البلد له شأن عظيم فعلا، وأهمه أن الله رافع عنهم العذاب لوجوده فيهم، كما في قوله تعالى: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) *، فكأنه تعالى يقول: وهذا البلد الأمين من العذاب، وهؤلاء الآمنون من العذاب بفضل وجودك فيهم.
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم بحلوله فيها بين أظهرهم، يلاقي من المشاق ويصبر عليها.
وفيه أروع المثل للصبر على المشاق في الدعوة، فقد آذوه كل الإيذاء، حتى وضعوا سلا الجزور عليه وهو يصلي عند الكعبة، وهو يصبر عليهم، وآذوه في عودته من الطائف، وجاءه ملك الجبال نصرة له، فأبى وصبر ودعا لهم، ومنعوه الدخول إلى