أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٧
فلا. وقال القرطبي: ويستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من وضع الجريد الأخضر على القبر، وقوله صلى الله عليه وسلم فيه: (لعله يحفف عنهما ما لم ييبسا). أي بسبب تسبيحهما، فإذا يبسا انقطع تسبيحهما ا ه.
والصحيح من هذا كله الأول الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الذي يشهد له القرآن الكريم لعدة أمور:
أولا: لصريح قوله تعالى: * (وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *.
ثانيا: أن الحامل لهم على القول بتسبيح الدلالة، هو تحكيم الحس والعقل، حينما لم يشاهدوا ذلك ولم تتصوره العقول، ولكن الله تعالى نفى تحكيم العقل الحسي هنا، وخطر على العقل بقوله تعالى: * (ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *.
ثالثا: قوله تعالى في حق نبي الله داود عليه السلام: * (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير) * وقوله تعالى: * (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) *، فلو كان تسبيحها معه تسبيح دلالة كما يقولون، لما كان لداود عليه السلام خصوصية على غيره.
رابعا: أخبر الله تعالى أن لهذه العوالم كلها إدراكا تاما كإدراك الإنسان أو أشد منه، قال تعالى عن السماوات والأرض والجبال: * (إنا عرضنا الا مانة على السماوات والا رض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) *، فأثبت تعالى لهذه العوالم إدراكا وإشفاقا من تحمل الأمانة، بينما سجل على الإنسان ظلما وجهالة في تحمله إياها، ولم يكن هذا العرض مجرد تسخير، ولا هذا الإباء مجرد سلبية، بل عن إدراك تام، كما في قوله تعالى: * (ثم استوى إلى السمآء وهى دخان فقال لها وللا رض ائتيا طوعا أو كرها قالتآ أتينا طآئعين) *، فهما طائفتان لله، وهما يأبين أن يحملن الأمانة إشفاقا منها.
وفي أواخر هذه السورة الكريمة سورة الحشر، قوله تعالى: * (لو أنزلنا هاذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) * ومثله قوله تعالى: * (ثم قست قلوبكم من بعد ذالك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار
(٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»