الحديد.
قال أبو حيان عندها: لما أمر الله تعالى الخلق بالتسبيح في آخر سورة الواقعة، يعني في قوله تعالى: * (إن هاذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم) * جاء في أول السورة التي تليها مباشرة بالفعل الماضي، ليدل على أن التسبيح المأمور به قد فعله. والتزم به كل ما في السماوات والأرض ا ه.
ومعلوم أن الفعل قد جاء أيضا بصيغة المضارع كما في آخر هذه السورة: * (يسبح له ما فى السماوات والا رض وهو العزيز الحكيم) *، وفي أول سورة الجمعة: * (يسبح لله ما فى السماوات وما فى الا رض الملك القدوس العزيز الحكيم) *، وفي أول سورة التغابن: * (يسبح لله ما فى السماوات وما فى الا رض له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) *، وهذه الصيغة تدل على الدوام والاستمرار.
بل جاء الفعل بصيغة الأمر: * (سبح اسم ربك الاعلى) *، * (فسبح باسم ربك العظيم) *.
وجاءت المادة بالمصدر: * (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا) *، * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) *، ليدل ذلك كله بدوام واستمرار التسبيح لله تعالى من جميع خلقه، كما سبح سبحانه نفسه، وسبحته ملائكته ورسله، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه.
وما في قوله تعالى: * (ما فى السماوات وما فى الا رض) * من صيغ العموم، وأصل استعمالها لغير العقلاء، وقد تستعمل للعاقل إذا نزل غير العاقل، كما في قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النسآء) *، ومجيؤها هنا لغير العاقل تغليبا له لكثرته كما تقدم، فتكون شاملة للعاقل من باب أولى.
ومما يلفت النظر أن التسبيح الذي في معرض العموم كله في القرآن مسند إلى (ما) دون (من) إلا في موضع واحد، هو قوله تعالى: * (تسبح له السماوات السبع والا رض ومن فيهن) *، وهذا شاهد على شمول (ما) وعمومها المتقدم ذكرها، لأنه سبحانه أسند التسبيح أولا إلى السماوات السبع والأرض صراحة بذواتهن، وهن من غير العقلاء بما في كل منهن من أفلاك وكواكب وبروج، أو جبال ووهاد وفجاج، ثم عطف