حيث لم يحتسبوا) * أي أنزل بهم عقوبة وذلة ومهانة جاءتهم من حيث لم يحتسبوا والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (وقذف فى قلوبهم الرعب) *. منطوقه أن الرعب سبب من أسباب هزيمة اليهود، ومفهوم المخالفة يدل على أن العكس بالعكس، أي أن الطمأنينة وهي ضد الرعب، سبب من أسباب النصر، وهو ضد الهزيمة.
وقد جاء ذلك المفهوم مصرحا به في آيات من كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) *، ومنها قوله تعالى: * (لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذالك جزآء الكافرين) *، فقد ولوا مدبرين بالهزيمة، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا من الملائكة فكان النصر لهم، وهزيمة أعدائهم المشار إليها بقوله تعالى: * (وعذب الذين كفروا) * أي بالقتل والسبي في ذلك اليوم.
ومنها قوله تعالى: * (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم) *.
وهذا الموقف آية من آيات الله، اثنان أعزلان يتحديان قريشا بكاملها، بعددها وعددها، فيخرجان تحت ظلال السيوف، ويدخلان الغار في سدفة الليل، ويأتي الطلب على فم الغار بقلوب حانقة، وسيوف مصلتة، وآذان مرهفة حتى يقول الصديق رضي الله عنه: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت نعليه لأبصرنا، فيقول صلى الله عليه وسلم وهو في غاية الطمأنينة، ومنتهى السكينة (ما بالك باثنين الله ثالثهما)؟
ومنها، وفي أخطر المواقف في الإسلام، في غزوة بدر، حيثما التقى الحق بالباطل وجها لوجه، جاءت قوى الشر في خيلائها وبطرها وأشرها، وأمامها جند الله في تواضعهم