أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٤٤٥
ومما أطرد فيه هذا التوجيه سورة الضحى، يقول الله تعالى: * (والضحى * واليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى) *، فإن المقسم عليه عدم تركه صلى الله عليه وسلم ولا التخلي عنه، فجاء بالمقسم به قسمي الزمن ليلا ونهارا، كأنه يقول له: ما قلاك ربك ولا تخلى عنك، لا في ضحى النهار حيث تنطلق لسعيك، ولا في ظلمة الليل حين تأوي إلى بيتك.
ومعلوم ما كان من عمه أبي طالب حينما كان يجعله ينام مع أولاده ليلا، حتى إذا أخذ الجميع مضاجعهم يأتي خفية فيقيمه من مكانه. ويضع أحد أولاده محله، حتى لو كان أحد نواه بسوء، وقد رآه في مكانه الأول يصادف ولده، ويسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: * (وللا خرة خير لك من الا ولى) *، أي من كل ما طلعت عليه الشمس وسجاه الليل.
ومنه أيضا: وهو أشد ظهورا في سورة العصر قال تعالى: * (والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين ءامنوا) *، إلى آخر السورة. فإن المقسم عليه هو حالة الإنسان، الغالية عليه من خسر، إلا من استثنى الله تعالى، فكان المقسم به، والعصر المعاصر للإنسان: طيلة حياته وهو محل عمله، الذي به يخسر ويربح. وهو معاصر له وأصدق شاهد عليه.
وكنت قد سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: إن العمر وزمن الحياة حجة على الإنسان كالرسالة والنذارة سواء، وذكر قوله تعالى: * (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجآءكم النذير) *، فجعل في الآية التعمير، وهو إشغال العمر موجبا للتذكر والتأمل، ومهلة للعمل، كما تخبر إنسانا بأمر ثم تمهله إلى أن يفعل ما مر به، فهو أمكن في الحجة عليه.
فكان القسم في العصر على الربح والخسران، أنسب ما يكون بينهما، إذ جعلت حياة الإنسان كسوق قائمة والسلعة فيه العمل والعامل هو الإنسان. كما قال تعالى: * (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله) *.
وفي الحديث الصحيح عند مسلم: (سبحان الله تملأ الميزان، وفيه كل الناس
(٤٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 ... » »»