أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٣٥٩
برحاء شديدة وكان يحمر وجهه كأنه مذهبة، وكان إذا نزل عليه صلى الله عليه وسلم وهو في سفره على راحلته بركت به الناقة، وجاء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان واضعا رأسه على فخذه، فأتاه الوحي قال أنس: فكان فخذي تكاد تنفصل مني، ومن جانب تكاليفه فقد ثقلت على السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها كما هو معلوم ومن جانب ثوابه فقد جاء في حديث مسلم. (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض).
وحديث البطاقة وكل ذلك يشهد بعضه لبعض ولا ينافيه.
وقد بين تعالى أن هذا الثقل قد يخففه الله على المؤمنين، كما في الصلاة في قوله: * (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) *، وكذلك القرآن ثقيل على الكفار خفيف على المؤمنين محبب إليهم.
وقد جاء في الآثار أن بعض السلف كان يقوم الليل كله بسورة من سور القرآن تلذذا وارتياحا، كما قال تعالى: * (ولقد يسرنا القرءان للذكر) * فهو ثقيل في وزنه ثقيل في تكاليفه، ولكن يخففه الله وييسره لمن هداه ووفقه إليه.
* (إن ناشئة اليل هى أشد وطأ وأقوم قيلا * إن لك فى النهار سبحا طويلا * واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا إلاه إلا هو فاتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرنى والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينآ أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما * يوم ترجف الا رض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا * إنآ أرسلنآ إليكم رسولا شاهدا عليكم كمآ أرسلنآ إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا * فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا * السمآء منفطر به كان وعده مفعولا * إن هاذه تذكرة فمن شآء اتخذ إلى ربه سبيلا * إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى اليل ونصفه وثلثه وطآئفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم ألن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرءان علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون فى الا رض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون فى سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) * قوله تعالى: * (إن ناشئة اليل هى أشد وطأ وأقوم قيلا) *. أي ما تنشأه من قيام الليل أشد مواطأة للقلب وأقوم قيلا في التلاوة والتدبر والتأمل، وبالتالي بالتأثر، ففيه إرشاد إلى ما يقابل هذا الثقل فيما سيلقى عليه من القول، فهو بمثابة التوجيه إلى ما يتزود به لتحمل ثقل أعباء الدعوة والرسالة.
وقد سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: لا يثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به من جوف الليل، وقد كان رحمه الله تعالى لا يترك ورده من الليل صيفا أو شتاء، وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى: * (واستعينوا بالصبر والصلواة) * فكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
وهكذا هنا فإن ناشئة الليل كانت عونا له صلى الله عليه وسلم على ما سيلقى عليه من ثقل القول.
مسألة قيل: إن قيام الليل كان فرضا عليه صلى الله عليه وسلم قبل أن تفرض الصلوات الخمس لقوله
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»