من الخلق وأن تسبيح السماوات ونحوها من الجمادات يعلمه الله ونحن لا نفقهه أي لا نفهمه، وذلك في قوله تعالى: * (تسبح له السماوات السبع والا رض ومن فيهن وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) * وهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن تسبيح الجمادات المذكور فيها وفي قوله تعالى: * (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن) * ونحو ذلك تسبيح حقيقي يعلمه الله ونحن لا نعلمه.
والآية الكريمة فيها الرد الصريح، على من زعم من أهل العلم، أن تسبيح الجمادات هو دلالة إيجادها على قدرة خالقها، لأن دلالة الكائنات على عظمة خالقها، يفهمها كل العقلاء، كما صرح الله تعالى بذلك في قوله * (إن في خلق السماوات والا رض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس) * إلى قوله * (لآيات لقوم يعقلون) * وأمثال ذلك من الآيات كثيرة في القرآن.
وقد قدمنا إيضاح هذا في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: * (ولله يسجد من فى السماوات والا رض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والا صال) * وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: * (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) *، وفي سورة الأحزاب في الكلام على قوله تعالى: * (إنا عرضنا الا مانة على السماوات والا رض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * وفي غير ذلك من المواضع.
وقد عبر تعالى هنا في أول الحديد بصيغة الماضي في قوله: * (سبح لله) *، وكذلك هو الحشر، والصف، وعبر في الجمعة والتغابن، وغيرهما بقوله: * (يسبح) * بصيغة المضارع.
قال بعض أهل العلم: إنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع أخرى ليبين أن ذلك التسبيح لله، هو شأن أهل السماوات وأهل الأرض، ودأبهم في الماضي والمستقبل ذكر معناه الزمخشري وأبو حيان.
وقوله: * (وهو العزيز الحكيم) * قد قدمنا معناه مرارا وذكرنا أن العزيز، هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، وأن العزة هي الغلبة، ومنه قوله: * (ولله العزة ولرسوله) * وقوله: وعزني في الخطاب: أي غلبني في الخصام، ومن أمثال العرب من عز بز، يعنون من غلب استلب، ومنه قول الخنساء