وقراءة الفاتحة فيها والنية في الوضوء والغسل إلى غير ذلك من مسائل كثيرة.
ولا يتسع المقام هنا لذكر ما استدل به أبو حنيفة لذلك ومناقشة الأدلة.
بل المقصود بيان أن الأئمة لا يخلو أحد منهم من أن يؤخذ عليه شيء خالف فيه سنة وأنهم لم يخالفوها إلا لشيء سوغ لهم ذلك.
وعند المناقشة الدقيقة قد يظهر أن الحق قد يكون معهم وقد يكون الأمر بخلاف ذلك.
وعلى كل حال فهم مأجورون ومعذورون كما تقدم إيضاحه.
وقد أخذ بعض العلماء على مالك رحمه الله أشياء قال:
إنه خالف فيها السنة قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه:
وقد ذكر يحيى بن سلام قال: سمعت عبد الله بن غانم في مجلس إبراهيم بن الأغلب يحدث عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم مما قال مالك فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
ومعلوم أن مثل كلام الليث هذا عن مالك لا أثر له، لأنه لم يعين المسائل المذكورة ولا أدلتها.
فيجوز أن يكون الصواب فيها مع مالك لأدلة خفيت على الليث، فليس خفاؤها على مالك بأولى من خفائها على الليث.
ولا شك أن مذهب مالك المدون فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي. والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله ولو بلغه لعمل به.
وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلا أقوى منه.
ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه صيام ست من شوال بعد صوم رمضان.
قال رحمه الله في الموطأ ما نصه: إني لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف.
وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته.