التنبيه الثامن اعلم أن كلا من الأئمة أخذت عليه مسائل. قال بعض العلماء: إنه خالف فيها السنة.
وسنذكر طرفا من ذلك هنا إن شاء الله.
أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله فهو أكثر الأئمة في ذلك، لأنه أكثرهم رأيا.
ولكثرة المسائل التي حصل فيها القيل والقال من ذلك لا نحتاج إلى بسط تفصيلها.
وبعض المسائل التي قيل فيها ذلك يظهر أنه لم تبلغه السنة فيها، وبعضها قد بلغته السنة فيها، ولكنه تركها لشيء آخر ظنه أرجح منها.
كتركه العمل لحديث القضاء بالشاهد واليمين في الأموال.
وحديث (تغريب الزاني البكر) لأنه ترك العمل بذلك ونحوه احتراما للنصوص القرآنية في ظنه.
لأنه يعتقد أن الزيادة على النص نسخ وأن القضاء بالشاهد واليمين نسخ. لقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهدآء) *.
فاحترم النص القرآني المتواتر، فلم يرض نسخه بخبر آحاد سنده دون سنده.
لأن نسخ المتواتر بالآحاد عنده، رفع للأقوى بالأضعف، وذلك لا يصح.
وكذلك حديث تغريب الزاني البكر فهو عنده زيادة ناسخة لقوله تعالى: * (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * والمتواتر لا ينسخ بالآحاد.
فتركه العمل بهذا النوع من الأحاديث بناه على مقدمتين:
إحداهما: أن الزيادة على النص نسخ.
والثانية: أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد.
وخالفه في المقدمة الأولى جمهور العلماء.
ووافقوه في الثانية.
والذي يظهر لنا ونعتقده اعتقادا جازما أن كلتا المقدمتين ليست بصحيحة.
أما الزيادة فيجب فيها التفصيل.
فإن كانت أثبتت حكما نفاه النص أو نفت حكما أثبته النص فهي نسخ.