أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٦٦
فقد روي في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار).
قال مالك: وليس لهذا عندنا حد معروف، ولا أمر معمول به فيه. انتهى منه بلفظه.
مع أن مالكا لم يعمل بهذا الحديث الصحيح:
وأشار في الموطأ إلى بعض الأسباب التي منعته من العمل به في قوله:
وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه، لأن خيار المجلس لم يحدد بحد معروف.
فصار القول به مانعا من انعقاد البيع إلى حد غير معروف.
وقد يكون المتعاقدان في سفينة في البحر لا يمكنهم التفرق بالأبدان.
وقد يكونان مسجونين في محل لا يمكنهما التفرق فيه.
وقد حمل مالك التفرق المذكور في الحديث على التفرق في الكلام.
وصيغة العقد قال:
وقد أطلق التفرق على التفرق في الكلام دون الأبدان في قوله تعالى: * (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) * فالتفرق في الآية إنما هو بالتكلم بصيغة الطلاق لا بالأبدان .
وقوله تعالى: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءتهم البينة) * فالتفرق في الآية تفرق بالكلام والاعتقاد.
فلا يشترط أن يكون بالأبدان:
وحجج من احتج لمالك في عدم أخذه بحديث خيار المجلس، هذا كثيرة معروفة.
منها ما هو في آيات من كتاب الله كقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) *، وقوله: * (أوفوا بالعقود) *، وقوله: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) *.
ومنها ما هو بغير ذلك.
وليس غرضنا هنا بسط الحجج ومناقشتها، وإنما غرضنا المثال.
لأن الإمام قد يترك نصا بلغه لاعتقاد أن ما ترك من أجله النص أرجح من نفس النص، وأنه يجب على المسلم مراعاة المخرج والنجاة لنفسه فينظر في الأدلة، ويعمل بأقواها وأقربها إلى رضى الله.
كما حلف عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة، لا يفتي بقول مالك في هذا.
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»