وإن كانت لم تتعرض للنص بنفي ولا إثبات بل زادت شيئا سكت عنه النص فلا يمكن أن تكون نسخا لأنها إنما رفعت الإباحة العقلية التي هي البراءة الأصلية.
ورفعها ليس نسخا إجماعا.
وأما نسخ المتواتر بالآحاد.
فالتحقيق الذي لا شك فيه أنه لا مانع منه ولا محذور فيه، ولا وجه لمنعه البتة، وإن خالف في ذلك جمهور أهل الأصول.
لأن أخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عن المتواتر لا وجه لردها، ولا تعارض البتة بينها وبين المتواتر إذ لا تناقض بين خبرين اختلف زمنهما، لجواز صدق كل منهما في وقته.
فلو أخبرك مثلا عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب، بأن أخاك الغائب لم يزل غائبا ولم يأت منزله.
لأنهم كانوا بمنزله وليس بموجود، ثم أخبرك بعد ذلك رجل واحد بأن أخاك موجود في منزله الآن.
فهل يسوغ لك أن نقول له كذبت، لأني أخبرني عدد كثير قبلك أنه لم يأت؟
ولو قلت له ذلك لقال لك هم في وقت إخبارهم لك صادقون، ولكن أخاك جاء بعد ذلك.
فالمتواتر في وقت نزوله صادق.
وخبر الآحاد الوارد بعده صادق أيضا.
لأنه أفاد تجدد شيء لم يكن.
فحصر المحرمات مثلا في الأربع المذكورة في قوله تعالى: * (قل لا أجد فى مآ أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) *. صادق في ذلك الوقت.
لا يوجد محرم على طاعم بطعمه إلا تلك المحرمات الأربع.
فلا تحرم في ذلك الوقت الحمر الأهلية ولا ذو الناب من السباع ولا الخمر ولا غير ذلك.
فإذا جاء بعد آحاد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: حرم لحوم الحمر الأهلية بخيبر، فهل يسوغ لقائل أن يقول:
هذا الخبر الصحيح مردود لأنه يعارض حصر المحرمات في الأربع المذكورة في آية: * (قل لا أجد فى مآ أوحى إلى محرما) *؟
ولو قال ذلك لقيل له:
هذا الخبر الصحيح لا تناقضه الآية، لأنه إنما أفاد حكما