أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣٢٠
ويقول في غير موضع: ما رأيت أحدا اقتدى به يفعله، ولو جمعنا ذلك من كلامه لطال.
وقد قال الشافعي في الصحابة: رأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، ونحن نقول ونصدق أن رأي الشافعي والأئمة معه لنا خير من رأينا لأنفسنا.
وقد جعل الله سبحانه في فطر العباد تقليد المتعلمين للأستاذين والمعلمين ولا تقوم مصالح الخلق إلا بهذا.
وذلك عام في كل علم وصناعة.
وقد فاوت الله سبحانه بين قوي الأذهان، كما فاوت بين الأبدان، فلا يحسن في حكمته وعدله ورحمته أن يفرض على جميع خلقه معرفة الحق بدليله، والجواب عن معارضه في جميع مسائل الدين دقيقها وجليلها.
ولو كان كذلك لتساوت أقدام الخلائق في كونهم علماء، بل جعل سبحانه تعالى هذا عالما، وهذا متعلما وهذا متبعا للعالم مؤتما به بمنزلة المأموم مع الإمام والتابع مع المتبوع، وأين حرم الله تعالى على الجاهل أن يكون متبعا للعالم مؤتما به مقلدا له يسير بسيره وينزل بنزوله.
وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم عين، أن يأخذ حكم نازلة من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟
وهل ذلك في إمكان أحد فضلا عن كونه مشروعا؟
وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا البلاد، وكان الحديث العهد بالإسلام يسألهم فيفتونه.
ولا يقولون له عليك أن تطلب معرفة الحق في هذه الفتوى بالدليل ولا يعرف ذلك عن أحد منهم البتة.
وهل التقليد إلا من لوازم التكليف ولوازم الوجود؟ فهو من لوازم الشرع والقدر.
والمنكرون له مضطرون إليه ولا بد. وذلك فيما تقدم بيانه من الأحكام وغيرها.
ونقول لمن احتج على إبطاله: كل حجة أثرية ذكرتها فأنت مقلد لحملتها ورواتها إذ لم يقم دليل قطعي على صدقهم، فليس بيدك إلا تقليد الراوي.
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»