أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٣١٥
وكلهم عالم، والعالم الذي رغبت عن قوله، أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه.
فإن قال: قلدته لأني أعلم أنه صواب.
قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب الله أو سنة أو إجماع؟
فإن قال نعم. أبطل التقليد وطولب بما ادعاه من الدليل.
وإن قال: قلدته لأنه أعلم مني.
قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك.
فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا ولا تخص من قلدته إذ علتك فيه أنه أعلم منك.
فإن قال: قلدته لأنه أعلم الناس.
قيل له: فإنه إذا أعلم من الصحابة وكفى بقول مثل هذا قبحا.
فإن قال: أنا أقلد بعض الصحابة. قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم، ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله؟
على أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وقد ذكر ابن مزين عن عيسى بن دينار، عن ابن القاسم عن مالك، قال: ليس كل ما قال رجل قولا وإن كان له فضل يتبع عليه لقول الله عز وجل: * (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) *. فإن قال قصري وقلة علمي يحملني على التقليد.
قيل له: أما من قلد فيما ينزل. من أحكام شريعته عالما يتفق له على علمه، فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور، لأنه قد أدى ما عليه وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله ولا بدله من تقليد عالم، فيما جهله، لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
ولكن من كانت هذه حاله هل تجوز له الفتيا في شرائع دين الله؟ فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك ويصيرها إلى غير من كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه؟
(٣١٥)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»