فادعاء كثير من المتأخرين، أنه يجب ترك العمل به، حتى يبحث عن المخصص، والمقيد مثلا خلاف التحقيق.
الوجه الثاني: أن غير المجتهد إذا تعلم آيات القرآن، أو بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، تعلم ذلك النص العام، أو المطلق، وتعلم معه، مخصصه ومقيده إن كان مخصصا أو مقيدا، وتعلم ناسخه إن كان منسوخا وتعلم ذلك سهل جدا، بسؤال العلماء العارفين به، ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك، والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها، وحديثا فيعمل به، ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، وربما عمل الإنسان بما علم فعلمه ما لم يكن يعلم، كما يشير له قوله تعالى: * (واتقوا الله ويعلمكم الله) * وقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) * على القول بأن الفرقان هو العلم النافع الذي يفرق به بين الحق والباطل.
وقوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به) *.
وهذه التقوى، التي دلت الآيات، على أن الله يعلم صاحبها، بسببها ما لم يكن يعلم، لا تزيد على عمله بما علم، من أمر الله وعليه فهي عمل ببعض ما علم زاده الله به علم ما لم يكن يعلم.
فالقول بمنع العمل بما علم من الكتاب والسنة، حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، هو عين السعي في حرمان جميع المسلمين، من الانتفاع بنور القرآن، حتى يحصلوا شرطا مفقودا، في اعتقاد القائلين بذلك، وادعاء مثل هذا على الله وعلى كتابه وعلى سنة رسوله هو كما ترى.