أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٨
وقد قال قبل هذا: قيل سبب نزولها أن وفد نجران قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست تقول: إن عيسى روح الله وكلمته؟ فقال نعم، فقالوا حسبنا، أي كفانا ذلك في كونه ابن الله. فنزلت الآية.
فاتضح أن الصاوي يعتقد أن ادعاء نصارى نجران أن ظاهر قوله تعالى: * (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) * هو أن عيسى ابن الله ادعاء صحيح، وبنى على ذلك أن العلماء قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر.
وهذا كله من أشنع الباطل وأعظمه، فالآية لا يفهم من ظاهرها البتة، بوجه من الوجوه، ولا بدلالة من الدلالات، أن عيسى ابن الله، وادعاء نصارى نجران ذلك كذب بحت.
فقول الصاوي كنصارى نجران، ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظواهر القرآن صريح في أنه يعتقد أن ما ادعاه وفد نجران من كون عيسى ابن الله هو ظاهر القرآن اعتقاد باطل باطل باطل، حاشا القرآن العظيم من أن يكون هذا الكفر البواح ظاهره، بل هو لا يدل عليه البتة فضلا عن أن يكون ظاهره وقوله: * (وروح منه) * كقوله تعالى: * (وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الا رض جميعا منه) * أي كل ذلك من عيسى ومن تسخير السماوات والأرض مبدؤه ومنشؤه جل وعلا.
فلفظة من في الآيتين لابتداء الغاية، وذلك هو ظاهر القرآن وهو الحق خلافا لما زعمه الصاوي وحكاه عن نصارى نجران.
وقد اتضح بما ذكرنا أن الذين يقولون: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر لا يعلمون ما هي الظواهر وأنهم يعتقدون شيئا ظاهر النص. والواقع أن النص لا يدل عليه بحال من الأحوال فضلا عن أن يكون ظاهره.
فبنوا باطلا على باطل، ولا شك أن الباطل لا يبنى عليه إلا الباطل.
ولو تصوروا معاني ظواهر الكتاب والسنة على حقيقتها لمنعهم ذلك، من أن يقولوا ما قالوا.
فتصور الصاوي، أن ظاهر الآية الكهف المتقدمة، هو حل الأيمان، بالتعليق بالمشيئة
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»