أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٥
عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولاكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) *.
وخطؤهم المذكور لا شك فيه، ولو وفقهم الله لتطهير قلوبهم من التشبيه أولا، وجزموا بأن ظاهر صفة الخالق هو التنزيه عن مشابهة صفة المخلوق، لسلموا مما وقعوا فيه.
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم، عالم كل العلم، بأن الظاهر المتبادر، مما مدح الله به نفسه، في آيات الصفات هو التنزيه التام عن صفات الخلق، ولو كان يخطر في ذهنه أن ظاهره لا يليق، لأنه تشبيه بصفات الخلق، لبادر كل المبادرة إلى بيان ذلك، لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، ولا سيما في العقائد، ولا سيما فيما ظاهره الكفر والتشبيه.
فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان هذا يدل على أن ما زعمه المؤلون لا أساس له كما ترى.
فإن قيل: إن هذا القرآن العظيم، نزل بلسان عربي مبين، والعرب لا تعرف في لغتها، كيفية لليد مثلا، إلا كيفية المعاني المعروفة عندها كالجارحة، وغيرها من معاني اليد المعروفة في اللغة، فبينوا لنا كيفية لليد ملائمة لما ذكرتم.
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن العرب لا تدرك كيفيات صفات الله من لغتها، لشدة منافاة صفة الله لصفة الخلق.
والعرب لا تعرف عقولهم كيفيات إلا لصفات الخلق، فلا تعرف العرب كيفية للسمع والبصر، إلا هذه المشاهدة، في حاسة الأذن والعين، أما سمع لا يقوم بإذن وبصر لا يقوم بحدقة، فهذا لا يعرفون له كيفية البتة.
فلا فرق بين السمع والبصر، وبين اليد والاستواء، فالذي تعرف كيفيته العرب من لغتها من جميع ذلك، هو المشاهد في المخلوقات.
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»