فخير صيغة تفضيل والآية نص صريح في أنهم خير من جميع الأمم، بني إسرائيل وغيرهم.
ومما يزيد ذلك إيضاحا حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أمته: (أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله): وقد رواه عنه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وهو حديث مشهور.
وقال ابن كثير: حسنه الترمذي، ويروى من حيث معاذ بن جبل وأبي سعيد نحوه ا ه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ولا شك في صحة معنى حديث معاوية بن حيدة المذكور رضي الله عنه. لأنه يشهد له النص المعصوم المتواتر في قوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) *، وقد قال تعالى: * (وكذالك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس) *. وقوله: * (وسطا) * أي خيارا عدولا.
واعلم أن ما ذكرنا من كون أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من بني إسرائيل كما دلت عليه الآية والحديث المذكوران وغيرهما من الأدلة لا يعارض الآيات المذكورات آنفا في تفضيل بني إسرائيل.
لأن ذلك التفضيل الوارد في بني إسرائيل ذكر فيهم حال عدم وجود أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والمعدوم في حال عدمه ليس بشيء حتى يفضل أو يفضل عليه.
ولكنه تعالى بعد وجود أمة محمد صلى الله عليه وسلم صرح بأنها هي خير الأمم.
وهذا واضح لأن كل ما جاء في القرآن من تفضيل بني إسرائيل. إنما يراد به ذكر أحوال سابقة.
لأنهم في وقت نزول القرآن كفروا به وكذبوا كما قال تعالى: * (فلما جآءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) *.
ومعلوم أن الله لم يذكر لهم في القرآن فضلا إلا ما يراد به أنه كان في زمنهم السابق لا في وقت نزول القرآن.
ومعلوم أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن موجودة في ذلك الزمن السابق الذي هو ظرف