أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٣٨
في الظلم والطغيان يقال: عتا علينا فلان: أي تجاوز الحد في ظلمنا، ووصفه تعالى عتوهم المذكور بالكبر، يدل على أنه بالغ في إفراطه، وأنهم بلغوا غاية الاستكبار، وأقصى العتو، وهذه الآية الكريمة تدل على أن تكذي بالرسل بعد دلالة المعجزات، ووضوح الحق وعنادهم والعتنت عليهم بطلب إنزال الملائكة، أو رؤية الله استكبار عن الحق عظيم وعتو كبير يستحق صاحبه النكال، والتفريع، ولذا شدد الله النكير على من تعنت ذلك التعنت واستكبر عن قبول الحق، كما في وله تعالى: * (أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل) * وقوله تعالى: * (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذالك فقالوا أرنا الله جهرة) * الآية وقوله تعالى: * (وإذ قلتم ياموسى موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) * واستدلال المعتزلة بهذه الآية، وأمثالها على أن رؤية الله مستحيلة استدلال باطل ومذهبهم والعياذ بالله من أكبر الضلال، وأعظم الباطل، وقول الزمخشري في كلامه على هذه الآية: إن الله لا يرى قول باطل، وكلام فاسد.
والحق الذي لا شك فيه: أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم يوم القيامة كما تواترت به الأحاديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ودلت عليه الآيات القرآنية منطوقا ومفهوما. كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وقد قدمنا في هذه السورة وفي سورة بني إسرائيل الآيات الدالة على أن الله لو فعل لهم كل ما اقترحوا لما آمنوا، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. قوله تعالى: * (يوم يرون الملئكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذين طلبوا إنزال الملائكة عليهم، أنهم يوم يرون الملائكة لا بشرى لهم أي لا تسرهم رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين.
أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت، كقوله تعالى: * (ولو ترى إذ
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»