أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٩
* (وتكلمنآ أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) *. ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من شهادة بعض جوارح الكفار عليهم يوم القيامة، جاء موضحا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في سورة (النور): * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) *، وقوله تعالى في (فصلت): * (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل * شىء) *. وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة (النساء)، في الكلام على قوله تعالى: * (ولا يكتمون الله حديثا) *.
وبينا هناك أن آية (يس) هذه توضح الجمع بين الآيات؛ كقوله تعالى عنهم: * (ولا يكتمون الله حديثا) * مع قوله عنهم: * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) *، ونحو ذلك من الآيات. * (ومن نعمره ننكسه فى الخلق أفلا يعقلون) *. قوله تعالى: * (ننكسه فى الخلق) *، أي: نقلبه فيه، فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال، ويرتقي من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده، ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق، فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده، وقلة عقله، وخلوه من العلم. وأصل معنى التنكيس: جعل أعلا الشئ أسفله.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: * (الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) *، وقوله تعالى: * (لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين) *، على أحد التفسيرين. وقوله تعالى في (الحج): * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) *، وقوله تعالى في (النحل): * (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا) *، وقوله تعالى في سورة (المؤمن): * (ثم لتكونوا شيوخا) *.
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»