الأول، وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا، فيكون لنزولها سببان، كنزول آية اللعان في عويمر، وهلال معا.
وبه تعلم أن ذلك يلزمه أن يقال: إن قوله تعالى: * (ياأيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك) * الآية، نزل في تحريمه صلى الله عليه وسلم العسل على نفسه، وفي تحريمه جاريته، وإذا علمت بذلك نزول قوله: * (لم تحرم) *، في تحريم الجارية، علمت: أن القرءان دل على أن تحريم الجارية لا يحرمها، ولا يكون ظهارا منها، وأنه تلزم فيه كفارة يمين؛ كما صح عن ابن عباس ومن وافقه. وقد قال ابن عباس: لما بين أن فيه كفارة يمين * (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة) *، ومعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفر عن تحريمه جاريته كفارة يمين؛ لأن الله تعالى قال: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) *، بعد تحريمه صلى الله عليه وسلم جاريته المذكورة في قوله: * (لم تحرم ما أحل الله لك) *، ومن قال من أهل العلم: إن من حرم جاريته لا تلزمه كفارة يمين، وإنما يلزمه الاستغفار فقط، فقد احتج بقوله تعالى: * (والله غفور رحيم) *، بعد قوله: * (لم تحرم) *، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم جاريته، قال مع ذلك: (والله لا أعود إليها)، وهذه اليمين هي التي نزل في شأنها: * (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) *، ولم تنزل في مطلق تحريم الجارية، واليمين المذكورة مع التحريم في قصة الجارية، قال في (نيل الأوطار): رواها الطبراني بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور، لكنه أرسله، اه. وكذلك رواه عنه ابن جرير.
وقال ابن كثير في (تفسيره): إن الهيثم بن كليب رواه في مسنده بسند صحيح وساق السند المذكور عن رضي الله عنه، والمتن فيه التحريم واليمين كما ذكرنا، وعلى ما ذكرنا من أن آية: * (لم تحرم ما أحل الله لك) *، نزلت في تحريمه صلى الله عليه وسلم جاريته، فالفرق بين تحريم الجارية والزوجة ظاهر؛ لأن آية * (لم تحرم) * دلت على أن تحريم الجارية لا يحرمها ولا يكون ظهارا، وآية: * (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) *، دلت على أن تحريم الزوجة تلزم فيه كفارة الظهار المنصوص عليه في (المجادلة)؛ لأن معنى: * (يظاهرون من نسائهم) * على جميع القراءات هو أن يقول أحدهم لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وهذا لا خلاف فيه. وقوله: أنت علي كظهر أمي، معناه: أنت علي حرام، كما تقدم إيضاحه. وعلى هذا: فقد دلت آية (التحريم)، على حكم تحريم الأمة، وآية (المجادلة) على حكم تحريم الزوجة، وهما حكمان متغايران