معينا منها لم يسر إلى غيره من أعضائها، فكذلك المظاهرة، ولأن هذا ليس بمنصوص عليه، ولا هو في معنى المنصوص، وعن أبي حنيفة: إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم كالفخذ والفرج فهو ظهار، وإن شبهها بما يجوز النظر إليه، كاليد والرأس فليس بظهار؛ لأن التشبيه بعضو يحل النظر إليه كالتشبيه بعضو زوجة له أخرى، فلا يحصل به الظهار، وإنما استظهرنا أنه ظهار مطلقا؛ لأن معنى التحريم حاصل به، فهو في معنى صريح الظهار، فقولهم: ولا هو في معنى المنصوص ليس بمسلم، بل هو في معناه، وقياسه على حلفه بالله لا يمس عضوا معينا منها ظاهر السقوط؛ لأن معنى التحريم يحصل ببعض، والحلف عن بعض لا يسري إلى بعض آخر، كما ترى. وقول أبي حنيفة: إن العضو الذي يحل النظر إليه، لا يحصل الظهار بالتشبيه به غير مسلم أيضا؛ لأنه وإن جاز النظر إليه فإن التلذذ به حرام، والتلذذ هو المستفاد من عقد النكاح، فالتشبيه به مستلزم للتحريم، والظهار هو نفس التحريم بواسطة التشبيه بعضو الأم المحرم.
واعلم أن القول بأن الظهار يحصل بقوله: شعرك، أو ريقك، أو كلامك علي كظهر أمي، له وجه قوي من النظر؛ لأن الشعر من محاسن النساء التي يتلذذ بها الأزواج كما بيناه في سورة (الحج)، وكذلك الريق فإن الزوج يمصه ويتلذذ به من امرأته، وكذلك الكلام، كما هو معروف. وأما لو قال لها: سعالك أو بصاقك، أو نحو ذلك علي كظهر أمي، فالظاهر أن ذلك ليس بشئ؛ لأن السعال والبصاق وما يجري مجراهما، كالدمع ليس مما يتمتع به عادة، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الحادية عشرة: اختلف العلماء فيمن قال لأمته: أنت علي كظهر أمي، أو قال ذلك لأم ولده، فقال بعض أهل العلم: لا يصح الظهار من المملوكة، وهو مروي عن ابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، والشعبي، وربيعة، والأوزاعي، والشافعي، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد. وقال بعضهم: يصح الظهار من الأمة أم ولد كانت أو غيرها، وهو مذهب مالك، وهو مروي أيضا عن الحسن، وعكرمة، والنخعي، وعمرو بن دينار، وسليمان بن يسار، والزهري، والحكم، والثوري، وقتادة، وهو رواية عن أحمد، وعن الحسن، والأوزاعي: إن كان يطؤها فهو ظهار، وإلا فلا. وعن عطاء: إن ظاهر من أمته، فعليه نصف كفارة الظهار من الحرة.
واحتج الذين قالوا: إن الأمة لا يصح الظهار منها، بأدلة:
منها أنهم زعموا أن قوله: * (يظاهرون من نسائهم) *، يختص بالأزواج دون الإماء.