أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١١٥
الحرفين المختلفي اللفظ، العاملين في قوله: فأصبحن لا يسألنني عن بما به، والمتفقي اللفظ العاملين في قوله: واعلم أن جماعة من أهل العلم، قالوا: إن يا علي قراءة الكسائي، وفيجميع الشواهد التي ذكرنا ليستللنداء، وإنما هي للتنبيه فكل من ألا ويا: حرف تنبيهكرر للتوكيد، وممن روي عنه هذا القول: أبو الحسن بن عصفور، وهذا القول اختاره أبو حيان في (البحر المحيط)، قال فيه: والذيأذهب إليه أن مثل هذا التركي بالوارد عن العرب ليست يا فيه للنداء، وحذف المنادى؛ لأن المنادى عندي لا يجوز حذفه، لأنهقد حذف الفعل العامل في النداء، وانحذف فاعله لحذفه، ولو حذف المنادى لكان في ذلك حذف جملة النداء، وحذف متعلقه، وهو المنادى، فكان ذلك إخلالا كبيرا، وإذا أبقينا المنادى ولم نحذفه كان ذلك دليلا على العامل فيه جملة النداء، وليسحرف النداء حرفجواب كنعم، ولا، وبلى، وأجل، فيجوز حذف الجملبعدهن لدلالة ما سبق من السؤال على الجمل المحذوفة، فيا عندي في تلك التراكيب حرف تنبيه أكد به إألاالتي للتنبيه، وجاز ذلك لاختلاف الحرفين ولقصد المبالغة فيالتوكيد، وإذا كان قد وجد التوكيد فياجتماع الحرفين المختلفي اللفظ، العاملين في قوله: فأصبحن لا يسألنني عن بما به، والمتفقي اللفظ العاملين في قوله: ولا للما بهم أبدا دواء وجاز ذلك، وإن عدوه ضرورة أو قليلا، فاجتماع غير العاملين وهما مختلفا اللفظ يكون جائزا، وليس يا في قوله:
; يا لعنة الله والأقوام كلهم حرف نداء عندي، بل حرف تنبيه جاء بعده المبتدأ، وليس مما حذف منه المنادى، لما ذكرناه. انتهى الغرض من كلام أبي حيان، وما اختاره له وجه من النظر.
; قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ومما له وجه من النظر عندي في قراءة الكسائي، أن يكون قوله: يا اسجدوا فعل مضارع حذفت منه نون الرفع، بلا ناصب، ولا جازم، ولا نون توكيد، ولا نون وقاية.
وقد قال بعض أهل العلم: إن حذفها لا لموجب، مما ذكر لغة صحيحة.
قال النووي في (شرح مسلم)، في الجزء السابع عشر في صفحة 702، ما نصه: قوله: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا، كذا هو في عامة النسخ، كيف يسمعوا، وأنى يجيبوا من غير نون، وهي لغة صحيحة، وإن كانت قليلة الاستعمال، وسبق بيانها مرات. ومنها الحديث السابق في (الإيمان): (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا)، انتهى منه. وعلى أن حذف نون الرفع لغة صحيحة، فلا مانع من أن يكون قوله تعالى: * (يسجدوا) *، في قراءة الكسائي فعل مضارع، ولا شك أن هذا له وجه من النظر، وقد اقتصرنا في سورة (الحجر)، على أن حذفها مقصور على السماع، وذكرنا بعد شواهده، والعلم عند الله تعالى.
تنبيهان الأول: اعلم أن التحقيق أن آية (النمل) هذه، محل سجدة على كلتا القراءتين؛ لأن قراءة الكسائي فيها الأمر بالسجود، وقراءة الجمهور فيها ذم تارك السجود وتوبيخه، وبه تعلم أن قول الزجاج ومن وافقه أنها ليست محل سجدة على قراءة الجمهور، وإنما هي
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»