أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٨٧
قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك. وفي صحيح مسلم: أن عائشة لما بلغها قول ابن عمر المتقدم: لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، قالت: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرما ا ه. كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم. قالوا فهذا الحديث الذي اتفق عليه الشيخان، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، دليل صحيح صريح في مشروعية الطيب قبل الإحرام، وإن كان أثره باقيا بعد الإحرام، بل ولو بقي عينه وريحه، لأن رؤيتها وبيص الطيب في مفارقه صلى الله عليه وسلم، وهو محرم صريح في ذلك، قالوا: وقد وردت آثار عن بعض الصحابة بذلك، تدل على عدم خصوصية ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب نصب الراية: وقيل إن ذلك من خواصه صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر، فقد رئي ابن عباس محرما، وعلى رأسه مثل الرب من الغالية. وقال مسلم بن صبح: رأيت ابن الزبير، وهو محرم، وفي رأسه ولحيته من الطيب ما لو كان لرجل أعد منه رأس مال. انتهى منه.
فهذا الحديث، وهذه الآثار: حجة من قال: بالتطيب قبل الإحرام، ولو كان الطيب يبقى بعد الإحرام.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم وحججهم في هذه المسألة فهذه مناقشة أقوالهم: اعلم أن المالكية، ومن وافقهم أجابوا عن حديث عائشة المذكور، بأجوبة:
منها: أنهم حملوه على أنه تطيب، ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام قالوا: ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه، ثم أصبح محرما) فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ثم زال بالغسل بعده، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى، ولا يبقى مع ذلك طيب، ويكون قولها: ثم أصبح ينضح طيبا: أي قبل غسله، وقد سبق في رواية لمسلم: أن ذلك الطيب كان ذريرة وهي مما يذهبه الغسل، قالوا: وقولها: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محرم المراد به: أثره لا جرمه قاله القاضي عياض. وقال ابن العربي: ليس في شيء من طرق حديث عائشة: أن عين الطيب بقيت.
ومنها: أن ذلك التطيب خاص به صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن الدوام على الطيب بعد الإحرام كابتداء الطيب في الإحرام، بجامع الاستمتاع بريح الطيب في حال الإحرام، في كل منهما قالوا: ومما يؤيد أن ذلك التطيب خاص به صلى الله عليه وسلم: أنه لو كان مشروعا لعامة الناس لما أنكره عمر، وعثمان، وابن عمر مع علمهم بالمناسك وجلالتهم في الصحابة. ولم ينكر عليهم أحد إلا ما أنكرت عائشة على ابن عمر ولما أنكره الزهري، وعطاء مع علمهما بالمناسك.
ومنها: أن حديث عائشة المذكور يقتضي إباحة الطيب، لمن أراد الإحرام، وحديث يعلى بن أمية: يقتضي منع ذلك، والمقرر في الأصول: أن الدال على المنع مقدم على الدال على الإباحة، لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام.
ومنها: أن حديث يعلى من قول النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه الصريح في الأمر بإزالة الطيب، وإنقائه من البدن، وظاهره العموم لما قدمنا أن خطاب الواحد يعم حكمه الجميع لاستواء الجميع في التكليف، والعموم القولي لا يعارضه فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مخصص له كما تقرر في الأصول، كما أوضحناه سابقا، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:، لأنه مخصص له كما تقرر في الأصول، كما أوضحناه سابقا، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
* في حقه القول بفعل خصا * إن يك فيه القول ليس نصا * فهدذا هو حاصل ما أجاب به القائلون: بمنع التطيب، عند إرادة الإحرام أو كراهته. وأجاب المخالفون بمنع ذلك كله قالوا: دعوى أن التطيب للنساء لا الإحرام، يرده صريح الحديث في قولها: طيبته لإحرامه، وادعاء أن اللام للتوقيت، خلاف الظاهر قالوا وادعاء أن الطيب زال بالمغسل قبل الإحرام ترده الروايات الصريحة، عن عائشة: أنها كأنها تنظر إلى وبيص الطيب، في مفرقه صلى الله عليه وسلم وهو محرم، لأن الوبيص في اللغة: البريق، واللمعان، وهو
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 87 87 87 88 89 90 91 92 ... » »»