أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٨٧
وقال ابن قدامة في المغني في شرحه لقول الخرقي: ويتطيب.
وجملة ذلك أنه يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب في بدنه خاصة، ولا فرق بين ما يبقى عينه كالمسك والغالية، أو أثره كالعود والبخور وماء الورد هذا قول ابن عباس، وابن الزبير، وسعد بن أبي وقاص وعائشة، وأم حبيبة، ومعاوية، وروي عن محمد ابن الحنفية، وأبي سعيد الخدري، وعروة، والقاسم، والشعبي وابن جريج. ا ه محل الغرض منه.
وقال جماعة آخرون من أهل العلم: لا يجوز التطيب عند إرادة الإحرام، فإن فعل ذلك لزمه غسله حتى يذهب أثره وريحه، وهذا هو مذهب مالك.
وقال النووي في شرح مسلم: وقال آخرون بمعنه منهم: الزهري، ومالك، ومحمد بن الحسن، وحكي أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين ا ه.
وقال في شرح المهذب: وقال عطاء والزهري ومالك ومحمد بن الحسن: يكره.
قال القاضي عياض: وحكي أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين ا ه.
وقال ابن قدامة في المغني: وكان عطاء يكره ذلك، وهو قول مالك، وروي ذلك عن عمر وعثمان، وابن عمر رضي الله عنهم ا ه.
وإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة: فهذه أدلتهم ومناقشتها وما يظهر رجحانه بالدليل منها.
أما الذين منعوا ذلك: فقد احتجوا بحديث يعلى بن أمية التميمي رضي الله عنه، وهو متفق عليه. قال البخاري في صحيحه، قال أبو عاصم: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء: أن صفوان بن يعلى أخبره: أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه: أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه؟ فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، ومعه نفر من أصحابه، جاء رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلما: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة، وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي فأشار عمر رضي الله عنه إلى يعلى، فجاء يعلى، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب، وقد أظل به، فأدخل رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه، وهو يغط، ثم سري عنه فقال (أين الذي سأل عن العمرة فأوتي برجل فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك) قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم. ا ه من صحيح البخاري قالوا: فهذا الحديث الصحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الطيب الذي تضمخ به قبل الإحرام، وأمر بإنقائه كما قاله عطاء، ولا شك أن هذا الحديث يقتضي أن الطيب في بدنه إذ لو كان في الجبة، دون البدن لكفى نزع الجبة كما ترى، خلافا لما توهمه ترجمة الحديث الذي ترجمه بها البخاري: وهي قوله: باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب. وقول البخاري في أول هذا الإسناد: قال أبو عاصم: قد قدمنا الكلام على مثله مستوفى وبينا أنه صحيح سواء قلنا: إنه موصول كما هو الصحيح، أو معلق، لأنه أورده بصيغة الجزم.
وقال البخاري أيضا في صحيحه: في أبواب العمرة: حدثنا أبو نعيم، حدثنا همام، حدثنا عطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية: يعني عن أبيه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق، أو قال صفرة، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم فستر بثوب وودت أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط: وأحسبه قال: كغطيط البكر، فلما سري عنه قال (أين السائل عن العمرة: اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك) ا ه منه. وقوله في هذا الحديث: (اخلع عنك الجبة واغسل أثر الخلوق وأنق الصفرة) صريح في أن غسل ذلك وإنقاءه من بدنه لأن ما في الجبة من الخلوق، والصفرة يزول بخلعها كما ترى.
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا همام، حدثنا عطاء بن أبي رباح، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه رضي الله عنه قال (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة عليه جبة، وعليها خلوق أو قال: أثر صفرة. فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: وأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فستر بثوب وكان يعلى يقول: وددت أن أرى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نزل عليه الوحي قال فقال: أيسرك أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل عليه الوحي؟ قال: فرفع عمر طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط قال: وأحسبه قال: كغطيط البكر. قال: فلما سري عنه قال: أين السائل عن العمرة: اغسل عنك أثر الصفرة أو قال أثر الخلوق واخلع عنك جبتك واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك).
وفي لفظ في صحيح مسلم عن يعلى قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، وهو بالجعرانة، وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه مقطعات، يعني جبة، وهو متضمخ بالخلوق فقال: إني أحرمت بالعمرة، وعلي هذا، وأنا متضمخ بخلوق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (ما كنت صانعا في حجك؟ قال: أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذا الخلوق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك) وفي لفظ في صحيح مسلم، عن يعلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) وفي لفظ في صحيح مسلم عن يعلى رضي الله عنه (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجعرانة قد أهل بالعمرة، وهو مصفر لحيته ورأسه، وعليه جبة، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 87 87 87 88 89 90 ... » »»