وفي النهاية الذريرة: نوع من الطيب مجموع من أخلاط. وقال السيوطي في تلخيصه للنهاية: وقيل هي فتات قصب، وقال النووي في شرح مسلم: هي فتات قصب طيب، يجاء به من الهند، وقد قدمنا في سورة الأنعام أن الذريرة قصب يجاء به من الهند كقصب النشاب أحمر يتداوى به. وفي لفظ عند مسلم أيضا، عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه؟ قالت: بأطيب الطيب، وفي لفظ: بأطيب ما أقدر عليه، قبل أن يحرم، ثم يحرم. وفي لفظ: بأطيب ما وجدت. وفي لفظ عنها قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محرم، وفي لفظ عنها قالت: لكأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يهل. وفي لفظ: وهو يلبي. والألفاظ المماثلة لهذا متعددة في صحيح مسلم عنها رضي الله عنها، وفي لفظ عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم، يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته. وفي لفظ عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك. وفي صحيح مسلم: أن عائشة لما بلغها قول ابن عمر المتقدم: لأن أطلى بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، قالت: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرما ا ه. كل هذه الألفاظ في صحيح مسلم. قالوا فهذا الحديث الذي اتفق عليه الشيخان، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، دليل صحيح صريح في مشروعية الطيب قبل الإحرام، وإن كان أثره باقيا بعد الإحرام، بل ولو بقي عينه وريحه، لأن رؤيتها وبيص الطيب في مفارقه صلى الله عليه وسلم، وهو محرم صريح في ذلك، قالوا: وقد وردت آثار عن بعض الصحابة بذلك، تدل على عدم خصوصية ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب نصب الراية: وقيل إن ذلك من خواصه صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر، فقد رئي ابن عباس محرما، وعلى رأسه مثل الرب من الغالية. وقال مسلم بن صبح: رأيت ابن الزبير، وهو محرم، وفي رأسه ولحيته من الطيب ما لو كان لرجل أعد منه رأس مال. انتهى منه.
فهذا الحديث، وهذه الآثار: حجة من قال: بالتطيب قبل الإحرام، ولو كان الطيب يبقى بعد الإحرام.
وإذا عرفت أقوال أهل العلم وحججهم في هذه المسألة فهذه مناقشة أقوالهم: اعلم أن المالكية، ومن وافقهم أجابوا عن حديث عائشة المذكور، بأجوبة:
منها: أنهم حملوه على أنه تطيب، ثم اغتسل بعده، فذهب الطيب قبل الإحرام