وقد رأيت ما ذكرنا من الآيات الدالة على وعد الله بالرزاق من أطاعه سبحانه جل وعلا ما أكرمه، فإنه يجزي بالعمل بالصالح في الدنيا والآخرة، وما قاله أهل الظاهر من أن هذه الآية الكريمة تدل على أن العبد يملك ماله؛ لأن قوله: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * بعد قوله: * (والصالحين من عبادكم وإمائكم) *، يدل على وصف العبيد بالفقر والغنى، ولا يطلق الغنى إلا على من يملك المال الذي به صار غنيا، ووجهه قوي ولا ينافي أن لسيده أن ينتزع منهم ذلك المال الذي ملك له، والعلم عند الله تعالى.
* (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) *.
هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة، هو المذكور في قوله: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذالك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) *، وقوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) *، ونحو ذلك من الآيات. * (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) *. قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) *، قيل: غفور لهن، وقيل: غفور لهم، وقيل: غفور لهن ولهم.
وأظهرها أن المعنى غفور لهن لأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه، بل يغفره الله له لعذره بالإكراه؛ كما يوضحه قوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *، ويؤيده قراءة ابن مسعود، وجابر بن عبد الله، وابن جبير، فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم، ذكره عنه القرطبي، وذكره الزمخشري عن ابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنا لا نبين القرءان بقراءة شاذة، وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادا بها لقراءة سبعية كما هنا، فزيادة لفظة لهن في قراءة من ذكرنا استشهاد بقراءة شاذة لبيان بقراءة غير شاذة أن الموعود بالمغفرة والرحمة، هو المعذور بالإكراه دون المكره؛ لأنه غير معذور في فعله القبيح، وذلك بيان المذكور بقوله: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *.