والثاني: المقتصد وهو الذي يطيع الله، ولا يعصيه، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات.
والثالث: السابق بالخيرات: وهو الذي يأتي بالواجبات ويجتنب المحرمات ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة، وهذا على أصح الأقوال في تفسير الظالم لنفسه، والمقتصد والسابق، ثم إنه تعالى بين أن إيراثهم الكتاب هو الفضل الكبير منه عليهم، ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله: * (جنات عدن يدخلونها) * إلى قوله: * (ولا يمسنا فيها لغوب) * والواو في يدخلونها شاملة للظالم، والمقتصد والسابق على التحقيق. ولذا قال بعض أهل العلم: حق لهذه الواو أن تكتب بماء العينين، فوعده الصادق بجنات عدن لجميع أقسام هذه الأمة، وأولهم الظالم لنفسه يدل على أن هذه الآية من أرجى آيات القرآن، ولم يبق من المسلمين أخد خارج عن الأقسام الثلاثة، فالوعد الصادق بالجنة في الآية شامل لجميع المسلمين ولذا قال بعدها متصلا بها * (والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزى كل كفور) * إلى قوله: * (فما للظالمين من نصير) *.
واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظالم في الوعد بالجنة على المقتصد والسابق، فقال بعضهم: قد الظالم لئلا يقنط، وأخر السابق بالخيرات لئلا يعجب بعمله فيحبط. وقال بعضهم: قدم الظالم لنفسه، لأن أكثر أهل الجنة الظالمون لأنفسهم لأن الذين لم تقع منهم معصية أقل من غيرهم. كما قال تعالى: * (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن) *. قوله تعالى: * (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) *. ذكر جلا وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، أنهم ملعونون في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم بما كانوا يعملون، وبين في غير هذا الموضع أن بعض أجزاء الكافر تشهد عليه يوم القيامة غير اللسان كقوله تعالى: * (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) * وقوله تعالى: * (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم