أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٥
فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، فقام أبو سعيد، فقال: وكنا نؤمر بهذا، فقال عمر: خفى على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألهاني عنه الصفق في الأسواق. وفي لفظ عند مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لتأتيني على هذا ولا فعلت وفعلت، فذهب أبو موسى قال عمر: إن وجد بينة تجدوه عند المنبر عشية، وإن لم يجد بينة فلم تجدوه، فلما أن جاء العشى وجدوه قال يا أبا موسى: ما تقول أقد وجدت قال: نعم أبي بن كعب رضي الله عنه قال عدل يا أبا الصفيل ما يقول هذا؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحان الله: إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت. وفي لفظ لمسلم: أن عمر قال لأبي: يا أبا المنذر آنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فلا تكن يا بن الخطاب عذاب على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في هذه الرواية قول عن سبحان الله، وما بعده.
فهذه الروايات الصحيحة عن أبي سعيد وأبي موسى، وأبي بن كعب رضي الله عنهم تدل دلالة صحيحة صريحة على أن الاستئذان ثلاث. وقال النووي في شرح مسلم: وأما قوله لا يقوم معه إلا أصغر القوم، فمعناه أن هذا حديث مشهور بيننا معروف لكبارنا، وصغارنا. حتى إن أصغرنا يحفظه وسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا ه منه. والظاهر منه كما قال وهذه الروايات الصحيحة الصريحة تبين أن هذا الاستئذان المعبر عنه في الآية بالاستئناس والسلام المذكور فيها لا يزاد فيه على ثلاث مرات، وأن الاستئناس المذكور في الآية، هو الاستئذان المكرر ثلاثا، لأن خير ما يفسر به كتاب الله بعد كتاب الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه. وبذلك تعلم أنما قاله ابن حجر في فتح الباري: من أن المراد بالاستئناس في قوله تعالى: حتى تستأنسوا: الاستئذان بتنحنح، ونحوه عند الجمهور خلاف التحقيق، وما استدل به لذلك من رواية الطبري من طريق مجاهد تفسير الآية بما ذكر إلى آخر ما ذكر من الأدلة لا يعول عليه، وأن الحق هو ما جاءت به الروايات الصحيحة من الاستئذان والتسليم ثلاثا كما رأيت.
وأن الصواب في ذلك هو ما نقله ابن حجر عن الطبري من طريق قتادة، قال الاستئناس: هو الاستئذان ثلاثا إلى آخره. والرواية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الاستئذان ثلاث يؤيدها أنه صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل. قال ابن حجر في الفتح: وفي رواية عبيد بن حنين، التي أشرت إليها في الأدب المفرد، زيادة مفيدة، وهي أن أبا سعيد أو أبا
(٤٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»