أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٩٨
وهذا دليل من لفظ النبي الصريح على أن جزاء اعترافها بالزنا هو رجمها فقط، فربط هذا الجزاء بهذا الشرط أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضاء بكتاب الله وهو متأخر عن حديث عبادة، لما قدمنا.
وهذا الدليل أيضا قوي جدا، لأن فيه إقسامه صلى الله عليه وسلم بأن الاعتراف بالزنا من المحصن يترتب عليه الرجم، ولا يخلو هذا الحديث من أحد أمرين: إما أن يكون صلى الله عليه وسلم اقتصر على قوله: (فارجمها)، أو يكون قال مع ذلك فاجلدها، وترك الراوي الجلد، فإن كان قد اقتصر على الرجم، فذلك يدل على نسخ الجلد؛ لأنه جعل جزاء الاعتراف الرجم وحده، لأن ربط الجزاء بالشرط يدل على ذلك دلالة لفظية لا دلالة سكوت، وإن كان قال مع الرجم: واجلدها، وحذف الراوي الجلد، فإن هذا النوع من الحذف ممنوع؛ لأن حذف بعض جزاء الشرط مخل بالمعنى موهم غير المراد، والحذف إن كان كذلك فهو ممنوع، ولا يجوز للراوي أن يفعله والراوي عدل فلن يفعله.
وقد أوضحنا في سورة (الأنعام)، في الكلام على قوله: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى) *، أنه لا تعارض بين نصين، مع اختلاف زمنهما؛ كما هو التحقيق.
وأما القول الثالث وهو الفرق بين الشيخ والشاب، وإن وجهه ابن حجر بما ذكرنا، لا يخفى سقوطه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: دليل كل منهما قوي، وأقربهما عندي: أنه يرجم فقط، ولا يجلد مع الرجم لأمور:
منها: أنه قول جمهور أهل العلم. ومنها: أن روايات الاقتصار على الرجم في قصة ماعز، والجهنية، والغامدية، واليهوديين، كلها متأخرة بلا شك عن حديث عبادة، وقد يبعد أن يكون في كل منها الجلد مع الرجم، ولم يذكره أحد من الرواة مع تعدد طرقها.
ومنها: أن قوله الثابت في الصحيح: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، تصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن جزاء اعترافها رجمها، والذي يوجد بالشرط هو الجزاء، وهو في الحديث الرجم فقط.
ومنها: أن جميع الروايات المذكورة المقتضية لنسخ الجمع بين الجلد والرجم على أدنى الاحتمالات لا تقل عن شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»