أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٠٣
الرجم رجمان، فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس، وما كان ببينة، فأول من يرجم البينة ثم الناس؛ ولأن فعل ذلك أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه، اه منه.
وحاصل هذا الاستدلال: أثر مروي عن علي، وكون مباشرتهم الرمي بالفعل أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه، وهذا كأنه استدلال عقلي لا نقلي. اه.
وقال صاحب (تبيين الحقائق) في شرحه لقول صاحب (كنزل الدقائق): يبدأ الشهود به فإن أبوا سقط ثم الإمام ثم الناس، ويبدأ الإمام، ولو مقرا ثم الناس.
ما نصه: أي يبدأ الشهود بالرجم. وقال الشافعي: لا تشترط بداءتهم اعتبارا بالجلد، ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال حين رجم شراحة الهمدانية: إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد، ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا أول من رماها بحجر. قال الراوي: ثم رمى الناس وأنا فيهم، ولأن الشاهد ربما يتجاسر على الشهادة ثم يستعظم المباشرة فيأبى أو يرجع، فكان في بداءته احتيال للدرء بخلاف الجلد، فإن كل أحد لا يحسنه، فيخاف أن يقع مهلكا أو متلفا لعضو، وهو غير مستحق ولا كذلك الرجم؛ لأن الإتلاف فيه متعين.
قال رحمه الله: فإن أبوا سقط، أي: إن أبى الشهود من البداءة سقط الحد لأنه دلالة الرجوع، وكذلك إن امتنع واحد منهم، أو جنوا، أو فسقوا، أو قذفوا فحدوا أو أحدهم، أو عمى، أو خرس، أو ارتد، والعياذ بالله تعالى؛ لأن الطارىء على الحد قبل الاستيفاء كالموجود في الابتداء، وكذا إذا غابوا أو بعضهم، أو ماتوا أو بعضهم لما ذكرنا، وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف، وروي عنه أنهم إذا امتنعوا أو ماتوا أو غابوا، رجم الإمام. ثم الناس، وإن كان الشهود مرضى لا يستطيعون أن يرموا أو مقطوعي الأيدي رجم بحضرتهم بخلاف ما إذا قطعت أيديهم بعد الشهادة، ذكره في النهاية.
قال رحمه الله: ثم الإمام ثم الناس لما روينا من أثر علي رضي الله عنه، ويقصدون بذلك مقتله إلا من كان منهم ذا رحم محرم منه، فإنه لا يقصد مقتله؛ لأن بغيره كفاية.
وروي أن حنظلة استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، وكان كافرا فمنعه من ذلك، وقال: (دعه يكفيك غيرك)؛ ولأنه مأمور بصلة الرحم، فلا يجوز القطع من غير حاجة.
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»