وإذا عرفت أقوال أهل العلم في هذه المسألة وحججهم، فاعلم أن كل طائفة منهم ترجح قولها على قول الأخرى.
أما الذين قالوا: يجمع بين الجلد والرجم للمحصن، فقد قالوا هذا القول، هو أرجح الأقوال، ولا ينبغي العدول عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن المحصن يجلد ويرجم بالحجارة، فهو حديث صحيح صريح في محل النزاع، فلا يعارض بعدم ذكر الجلد في قصة ماعز، والجهنية، والغامدية، واليهوديين؛ لأن ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل عنه بأمر محتمل، ويجوز أن يكون الجلد وقع لماعز ومن ذكر معه ولم يذكره الرواة؛ لأن عدم ذكره لا يدل دلالة قطعية على عدم وقوعه، لأن الراوي قد يتركه لظهوره، وأنه معروف عند الناس جلد الزاني، قالوا: والمحصن داخل قطعا في عموم * (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *، وهذا العموم القرءاني لا يجوز العدول عنه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وعدم ذكر الجلد مع الرجم لا يعارض الأدلة الصريحة في القرءان، والسنة الصحيحة. قالوا: وعمل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم دليل على أنه لم ينسخ، ولم يعلم أن أحدا من الصحابة أنكر عليه ذلك، ولا تخفى قوة هذا الاستدلال الذي استدل به أهل هذا القول.
وأما الذين قالوا: بأن المحصن يرجم فقط ولا يجلد، فقد رجحوا أدلتهم بأنها متأخرة عن حديث عبادة بن الصامت، الذي فيه التصريح بالجمع بين الرجم والجلد، والعمل بالمتأخر أولى. والحق أنها متأخرة عن حديث عبادة المذكور؛ كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (قد جعل الله لهن سبيلا)، فهو دليل على أن حديث عبادة، هو أول نص ورد في حد الزنا كما هو ظاهر من الغاية في قوله تعالى: * (حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) *، قالوا: ومن أصرح الأدلة في أن الجمع بين الجلد والرجم منسوخ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الرجل الذي كان أجيرا عنده: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله)، وهذا قسم منه صلى الله عليه وسلم أنه يقضي بينهما بكتاب الله، ثم قال في الحديث الذي أقسم على أنه قضاء بكتاب الله: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، قالوا: إن قوله: (فإن اعترفت) شرط، وقوله: (فارجمها) جزاء هذا الشرط، فدل الربط بين الشرط، وجزائه على أن جزاء اعترافها هو الرجم وحده، وأن ذلك قضاء بكتاب الله تعالى.