أبيكم إبراهيم، ولا يبعد أن يكون قوله * (ملة أبيكم إبراهيم) * شاملا لما ذكر قبله من الأوامر في قوله * (ياأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا فى الله حق جهاده) *. ويوضح هذا قوله تعالى * (قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا) * والدين القيم الذي هو ملة إبراهيم: شامل لما ذكر كله.
قوله تعالى: * (هو سماكم المسلمين من قبل وفى هاذا) *. اختلف في مرجع الضمير الذي هو لفظ هو من قوله * (هو سماكم) * فقال بعضهم الله هو الذي سماكم المسلمين من قبل ومن هذا، وهذا القول مروى عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعطاء، والضحاك، والسدي، ومقاتل بن حيان، وقتادة. كما نقله عنهم ابن كثير. وقال بعضهم: هو أي إبراهيم سماكم المسلمين، واستدل لهذا بقول إبراهيم وإسماعيل * (ومن ذريتنآ أمة مسلمة لك) * وبهذا قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم، كما نقله عنه ابن كثير. وقد قدمنا أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولا وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول. وجئنا بأمثلة كثيرة في الترجمة، وفيما مضى من الكتاب، وفي هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمان بن زيد بن أسلم غير صواب.
إحداهما: أن الله قال * (هو سماكم المسلمين من قبل وفى هاذا) * أي القرآن، ومعلوم أن إبراهيم لم يسمهم المسلمين في القرآن، لنزوله بعد وفاته بأزمان طويلة كما نبه على هذا ابن جرير.
القرينة الثانية: أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله، لا إلى إبراهيم فقوله * (هو اجتباكم) * أي الله وما جعل عليكم في الدين من حرج: أي الله هو سماكم المسلمين: أي الله.
فإن قيل: الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور للضمير المذكور: هو إبراهيم.
فالجواب: أن محل رجوع الضمير إلى أقرب مذكور محله ما لم يصرف عنه صارف، وهنا قد صرف عنه صارف، لأن قوله وفي هذا يعني القرآن، دليل على أن