أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣١٣
برجوع الاستثناء في قوله * (أو ما ملكت أيمانهم) * لقوله * (وأن تجمعوا بين الا ختين) * فيقول: قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الا ختين) * وقوله: * (والمحصنات من النسآء) * يرجع لكل منهما استثناء في قوله: * (أو ما ملكت أيمانهم) * فيكون المعنى: وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين، إلا ما ملكت أيمانكم فلا يحرم عليكم فيه الجمع بينهما، وحرمت عليكم المحصنات من النساء، إلا ما ملكت أيمانكم، فلا يحرم عليكم.
وقد أوضحنا معنى الاستثناء من المحصنات في محله من هذا الكتاب المبارك، وبهذا تعلم أن احتجاج داود برجوع الاستثناء في قوله * (أو ما ملكت أيمانهم) * إلى قوله: * (وأن تجمعوا بين الا ختين) * جار على أصول المالكية والشافعية والحنابلة، فيصعب عليهم التخلص من احتجاج داود هذا.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن الجواب عن استدلال داود المذكور من وجهين:
الأولى منهما: أن في الآية نفسها قرينة مانعة من رجوع الاستثناء، إلى قوله: * (وأن تجمعوا بين الا ختين) * لما قدمنا من أن قوله * (أو ما ملكت أيمانهم) * أي بالسبي خاصة مع الكفر، وأن المعنى والمحصنات من النساء، إلا ما ملكت أيمانكم: أي وحرمت عليكم المتزوجات من النساء، لأن المتزوجة لا تحل لغير زوجها إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي مع الكفر فإن السبي يرفع حكم الزوجية عن المسبية، وتحل لسابيها بعد الاستبراء كما قال الفرزدق: وتحل لسابيها بعد الاستبراء كما قال الفرزدق:
* وذات حليل أنكحتها رماحنا * حلال لمن يبنى بها لم تطلق * وإذا كان ملك اليمين في قوله: * (أو ما ملكت أيمانهم) * في السبي خاصة كما هو مذهب الجمهور كان ذلك مانعا من رجوعه إلى قوله: * (وأن تجمعوا بين الا ختين) * لأن محل النزاع في ملك اليمين مطلقا، وقد قدمنا في سورة النساء أن قول من قال: * (أو ما ملكت أيمانهم) * مطلقا، وأن بيع الأمة طلاقها أنه خلاف التحقيق، وأوضحنا الأدلة على ذلك.
الوجه الثاني: هو أن استقراء القرآن يدل على أن الصواب في رجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله أو بعضها، يحتاج إلى دليل منفصل، لأن الدليل قد يدل على
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»