أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٣
الفرع الثاني: اعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن عمرة في رمضان، تعدل حجة. وفي بعض روايات الحديث في الصحيح (حجة معي).
الفرع الثالث: اعلم: أن التحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب بعد الهجرة قطعا، وأنه لم يعتمر بعد الهجرة، إلا أربع عمر. الأولى: عمرة الحديبية في ذي القعدة، من عام ست، وصده المشركون، وأحل ونحر من غير طواف ولا سعي، كما هو معلوم. الثانية: عمرة القضاء في ذي القعدة، عام سبع: وهي التي وقع عليها صلح الحديبية.
وقد قدمنا في سورة البقرة وجه تسميتها عمرة القضاء وأوضحناه. الثالثة: عمرة الجعرانة في ذي القعدة من عام ثمان، بعد فتح مكة في رمضان عام ثمان. الرابعة: العمرة التي قرنها، مع حجة الوداع. هذا هو التحقيق.
وقد قدمنا الإشارة إليه ولنكتف هنا بما ذكرنا من أحكام العمرة، لأن غالب أحكامها ذكرناه في أثناء كلامنا على مسائل الحج. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * صيغة الأمر في هذه الآية الكريمة: تدل على وجوب الإيفاء بالنذر، كما قدمنا مرارا أن صيغة الأمر تقتضي الوجوب، على الأصح، إلا لدليل صارف عنه.
ومما يدل من القرآن على لزوم الإيفاء بالنذر: أنه تعالى أشار إلى أنه هو، والخوف من أهوال يوم القيامة، من أسباب الشرب من الكأس الممزوجة بالكافور في قوله تعالى: * (إن الا برار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) * ثم أشار إلى بعض أسباب ذلك فقال: * (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) * فالوفاء بالنذر ممدوح على كل حال، وإن كانت آية الإنسان ليست صريحة في وجوبه، وكذلك قوله في سورة البقرة: * (ومآ أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) *. وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن البيان بالقرآن، إن لم يكن واقيا بالمقصود أتممناه بالبيان بالسنة. ولذلك سنبين هنا ما تقتضيه السنة من النذر الذي يجب الإيفاء به، والذي لا يجب الإيفاء به.
اعلم أولا: أن الأمر المنذور له في الجملة حالتان:
الأولى: أن يكون فيه طاعة لله.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»