هذا الحديث: سكت عنه أبو داود والمنذري، ولزوم الهدي المذكور مروي عن مالك في الموطأ وفسر الهدي: ببدنة، أو بقرة، أو شاة، إن لم تجد غيرها.
هذا هو حاصل أدلة أقوال أهل العلم: فيما يلزم من نذر شيئا، وعجز عن فعله. والقول بالهدي والقول بالبدنة، يمكن الجمع بينهما، لأن البدنة هدي، والخاص يقضي على العام.
وقد ذكرنا كلام الناس في أسانيد الأحاديث الواردة في ذلك وأحوطها: فيمن عجز عن المشي، الذي نذره في الحج: البدنة، لأنها أعظم ما قيل في ذلك، وليس من المستبعد، أن تلزم البدنة، وأنه يجزئ الهدي والصوم وكفارة اليمين، لأن كل الأحاديث الواردة بذلك ليس فيها التصريح بنفي إجزاء شيء آخر. فحديث لزوم كفارة اليمين: لم يصرح بعدم إجزاء البدنة، وحديث الهدي: لم يصرح بعدم إجزاء الصوم مثلا وهكذا. وقد عرفت أقوال أهل العلم في ذلك مع أن الأحاديث لا يخلو شيء منها من كلام. وظاهر النصوص العامة: أنه لا شيء عليه، لأن الله يقول: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * ويقول: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) وقد ثبت في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ * (ربنا لا تؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا) *. قال الله: قد فعلت. وفي رواية: نعم، ويدخل في حكم ذلك قوله تعالى: * (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) *.
الفرع الرابع: في حكم الإقدام على النذر مع تعريفه لغة وشرعا.
اعلم أن الأحاديث الصحيحة، دلت على أن النذر، لا ينبغي وأنه منهي عنه، ولكن إذا وقع وجب الوفاء به، إن كان قربة كما تقدم.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا سعيد بن الحارث: أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أو لم ينهوا عن النذر، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخر وإنما يستخرج بالنذر من البخيل) وفي البخاري، عن ابن عمر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر فقال: (إنه لا يرد شيئا ولكنه يستخرج به من البخيل) وفي لفظ للبخاري من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم يكن قدر، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له فيستخرج الله به من البخيل فيؤتي عليه ما لم يكن يؤتي عليه من