فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم، وليستظل وليقعد، وليتم صومه) اه محل الغرض من صحيح البخاري. وفيه التصريح بأن ما كان من نذره من جنس الطاعة، وهو الصوم أمره صلى الله عليه وسلم بإتمامه، وفاء بنذره وما كان من نذره مباحا لا طاعة، كترك الكلام، وترك القعود، وترك الاستظلال، أمره بعدم الوفاء به، وهو صريح في أنه لا يجب الوفاء به.
واعلم أنا لم نذكر أقوال أهل العلم هنا للاختصار، ولوجود الدليل الصحيح من السنة على ما ذكرنا.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أنه لا نذر لشخص في التقرب بشيء لا يملكه، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: وحدثني زهير بن حرب، وعلي بن حجر السعدي واللفظ لزهير قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث بطوله.
وفيه ما نصه: وأسرت امرأة من الأنصار، وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترغ قال: وناقة منوقة فقعدت في عجزها، ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها، فأعجزتهم قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها. فلما قدمت المدينة، رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: (سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد) الحديث. ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا فيما لا يملك العبد) وهذا نص صحيح صريح فيما ذكرنا، ويؤيده حديث ثابت بن الضحاك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك ابن آدم) اه.
قال الحافظ في بلوغ المرام: رواه أبو داود والطبراني، واللفظ له، وهو صحيح الإسناد، وله شاهد من حديث كردم عند أحمد.