أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٣١
واستدل بعضهم بما رواه الطبراني من طريق يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا: (من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فأجره كعمرة).
هذا هو حاصل أدلة من قالوا: بأن العمرة غير واجبة.
وأجاب مخالفوهم عن أدلتهم، قالوا: أما حديث سؤال الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن وجوب العمرة، وأنه أجابه: بأنها غير واجبة، وأنه إن اعتمر تطوعا، فهو خير له بأنه حديث ضعيف، وتصحيح الترمذي له مردود، ووجه ذلك أن في إسناده: الحجاج بن أرطاة، وأكثر أهل الحديث على تضعيف الحجاج المذكور كما قدمناه مرارا، وقال ابن حجر في التلخيص: وفي تصحيحه نظر كثير من أجل الحجاج، فإن الأكثر على تضعيفه، والاتفاق على أنه مدلس، وقال النووي: ينبغي ألا يغتر بكلام الترمذي في تصحيحه، فإنه اتفق الحفاظ على تضعيفه وقد نقل الترمذي، عن الشافعي أنه قال: ليس في العمرة شيء ثابت: أنها تطوع. وأفرط ابن حزم فقال: إنه مكذوب باطل. اه محل الغرض من كلام ابن حجر. ثم قال بعد هذا في الحديث المذكور: أنه موقوف على جابر، وقال كذلك: رواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر اه منه.
هذا هو حاصل حجج من قالوا: إن العمرة سنة لا واجبة.
وقال الشوكاني: في نيل الأوطار، بعد أن ساق الأحاديث، التي ذكرنا في عدم وجوب العمرة ما نصه: قال الحافظ: ولا يصح من ذلك شيء، وبهذا تعرف أن الحديث من قسم الحسن لغيره، وهو محتج به عند الجمهور، ويؤيده ما عند الطبراني: عن أبي أمامة مرفوعا (من مشى إلى صلاة مكتوبة فأجره كحجة، ومن مشى إلى صلاة غير مكتوبة، فأجره كعمرة) إلى أن قال والحق عدم وجوب العمرة، لأن البراءة الأصلية، لا ينتقل عنها إلا بدليل يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح لذلك، لا سيما مع اعتضاده بما تقدم من الأحاديث القاضية: بعدم الوجوب، ويؤيد ذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الحج في حديث (بني الإسلام على خمس) واقتصار الله جل جلاله على الحج في قوله: * (ولله على الناس حج البيت) * انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي أن ما احتج به كل واحد من الفريقين، لا يقل عن درجة الحسن لغيره، فيجب الترجيح بينهما، وقد رأيت الشوكاني:
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»