أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٩٨
تنبيه جرت العادة في القرآن: أن الله إذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (يسئلونك) * قال له * (قل) * بغير فاء. كقوله: * (ويسألونك عن الروح قل الروح) *، وقوله تعالى: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير) *، وقوله: * (يسألونك ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خير) *، وقوله * (يسألونك ماذآ أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) *، وقوله: * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) * إلى غير ذلك من الآيات، أما في آية (طه) هذه فقال فيها: * (فقل ينسفها) * بالفاء. وقد أجاب القرطبي رحمه الله عن هذا في تفسير هذه الآية بما نصه: * (ويسألونك عن الجبال) * أي عن حال الجبال يوم القيامة، فقل. جاء هذا بفاء، وكل سؤال في القرآن (قل) بغير فاء إلا هذا. لأن المعنى: إن سألوك عن الجبال فقل، فتضمن الكلام معنى الشرط، وقد علم الله أنهم يسألونه عنها فأجابهم قبل السؤال. وتلك أسئلة تقدمت، سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال. فلذلك كان بغير فاء. وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد فتفهمه انتهى منه. وما ذكره يحتاج إلى دليل، والعلم عند الله تعالى.
* (فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا * يومئذ يتبعون الداعى لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا * يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضى له قولا * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما * وعنت الوجوه للحى القيوم وقد خاب من حمل ظلما * ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما * وكذالك أنزلناه قرءانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا) * قوله تعالى: * (فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) *. الضمير في قوله: * (فيذرها) * فيه وجهان معروفان عند العلماء:
أحدهما أنه راجع إلى الأرض وإن لم يجر لها ذكر. ونظير هذا القول في هذه الآية قوله تعالى: * (ما ترك على ظهرها من دآبة) *، وقوله: * (ما ترك عليها من دآبة) * فالضمير فيهما راجع إلى الأرض ولم يجر لها ذكر. وقد بينا شواهد ذلك من العربية والقرآن بإيضاح في سورة (النحل) فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
والثاني أنه راجع إلى منابت الجبال التي هي مراكزها ومقارها لأنها مفهومة من ذكر الجبال. والمعنى: فيذر مواضعها التي كانت مستقرة فيها من الأرض قاعا صفصفا. والقاع: المستوى من الأرض. وقيل: مستنقع الماء. والصفصف: المستوى الأملس
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»