أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٠٣
. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على حفظ القرآن. فأرشده الله في هذه الآية إلى ما ينبغي. فنهاه عن العجلة بقراءة القرآن مع جبريل، بل أمره أن ينصت لقراءة جبريل حتى ينتهي، ثم يقرؤه هو بعد ذلك، فإن الله ييسر له حفظه. وهذا المعنى المشار إليه في هذه الآية أوضحه الله في غير هذا الموضع. كقوله في (القيامة): * (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه) * وقال البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) * قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه. فأنزل الله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرءانه) * قال: جمعه لك في صدرك، ونقرأه * (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) * قال: فاستمع له وأنصت * (ثم إن علينا بيانه) * ثم علينا أن نقرأه. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع. فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه ا ه. قوله تعالى: * (ولقد عهدنآ إلىءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) *. قوله: * (ولقد عهدنآ إلىءادم) * أي أوصيناه ألا يقرب تلك الشجرة. وهذا العهد إلى آدم الذي أجمله هنا بينه في غير هذا الموضع، كقوله في سورة (البقرة): * (وقلنا ياءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين) * فقوله: * (ولا تقربا هاذه الشجرة) * هو عهده إلى آدم المذكور هنا. وقوله في (الأعراف): * (وياأادم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هاذه الشجرة فتكونا من الظالمين) *.
وقوله تعالى: * (فنسى) * فيه للعلماء وجهان معروفان: أحدهما أن المراد بالنسيان الترك، فلا ينافي كون الترك عمدا. والعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمدا، ومنه قوله تعالى: * (قال كذالك أتتك آياتنا فنسيتها وكذالك اليوم تنسى) * فالمراد في هذه الآية: الترك قصدا. وكقوله تعالى: * (فاليوم ننساهم كما
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»