والكلام ليس فيه معنى الجهد. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة (البلد). قوله تعالى: * (أفعصيت أمرى) *. الظاهر أن أمره المذكور في هذه الآية هو المذكور في قوله تعالى: * (وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) *.
وهذه الآية الكريمة تدل على اقتضاء الأمر للوجوب. لأنه أطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة: كقوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *، وقوله: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * فجعل أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مانعا من الاختيار، موجبا للامتثال. وقوله تعالى: * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) * فوبخه هذا التوبيخ الشديد على عدم امتثال الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل في قوله تعالى: * (اسجدوا لادم) *. وجماهير الأصوليين على أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما هو مماثل لها. وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
* وافعل لدى الأكثر للوجوب * وقيل للندب أو المطلوب * الخ. قوله تعالى: * (قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرءيل ولم ترقب قولى) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قاله لأخيه موسى * (يبنؤم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى) * وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بين تعالى في (الأعراف) أنه أخذ برأسه يجره إليه. وذلك في قوله: * (أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن) *. وقوله: * (ولم ترقب قولى) * من بقية كلام هارون. أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قوليا أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري.