أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٤٤
الصريح، أو من قبيل المفهوم؟ وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله: قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن الاستدلال بهذا الحديث على هذا الحكم صحيح، ودلالته عليه هي المعروفة عند أهل الأصول بدلالة الإشارة، ومعلوم في الأصول أن دلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء، ودلالة الإيماء والتنبيه كلها من دلالة الالتزام، ومعلوم أن هذه الأنواع من دلالة الالتزام اختلف فيها هل هي من قبيل المنطوق غير الصريح، أو من قبيل المفهوم؟ وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
* وفي كلام الوحي والمنطوق هل * ما ليس بالصريح فيه قد دخل * * وهو دلالة اقتضاء أن يدل * لفظ ما دونه لا يستقل * دلالة اللزوم مثل ذات ; إشارة كذلك الايما آتي. إلخ وقصدنا هنا إيضاح دلالة الإشارة دون غيرها، وضابط دلالة الإشارة هي: أن يساق النص لمعنى مقصود: فيلزم ذلك المعنى المقصود أمر آخر غير مقصود باللفظ لزوما لا ينفك، كما أشار له في المراقي بقوله: وقصدنا هنا إيضاح دلالة الإشارة دون غيرها، وضابط دلالة الإشارة هي: أن يساق النص لمعنى مقصود: فيلزم ذلك المعنى المقصود أمر آخر غير مقصود باللفظ لزوما لا ينفك، كما أشار له في المراقي بقوله:
* فأول إشارة اللفظ لما * لم يكن القصد له قد علما * فإذا علمت ذلك، فاعلم أنه صلى الله عليه وسلم، لم يذكر حديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور لقصد بيان حكم المبيت بمزدلفة، ولكنه ذكره قاصدا بيان أن من أدرك الوقوف بعرفة في آخر جزء من ليلة النحر أن حجه تام، وهذا المعنى المقصود يلزمه حكم آخر غير مقصود باللفظ وهو عدم ركنية المبيت بمزدلفة، لأنه إذا لم يدرك عرفة إلا في الجزء الأخير من الليل، فقد فاته المبيت بمزدلفة قطعا، ومع ذلك فقد صرح صلى الله عليه وسلم بأن حجه تام.
ومن أمثلة دلالة الإشارة في القرآن قوله تعالى: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم) * فإنه يدل بدلالة الإشارة المذكورة، على صحة صوم من أصبح جنبا، لأن الآية الكريمة سيقت لبيان جواز الجماع في ليلة الصيام، وذلك صادق بآخر جزء منها، بحيث لا يبقى بعده من الليل، قدر ما يسع الاغتسال، فيلزم من جواز الجماع في آخر جزء من الليل، الذي دلت عليه الآية أنه لا بد أن يصبح جنبا، ولفظ الآية: لم يقصد به صحة صوم من أصبح جنبا، ولكن المعنى الذي قصد به يلزمه ذلك كما بينا.
ومن أمثلتها أيضا في القرآن قوله تعالى * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * مع قوله: * (وفصاله فى عامين) * فإن الآيتين لم يقصد بلفظهما بيان قدر أقل أمد الحمل، ولكن المعنى الذي قصد بهما يلزمه أن أقل أمد الحمل ستة أشهر، لأنه جمع الحمل والفصال في ثلاثين شهرا، ثم بين أن الفصال في عامين، فيطرح من الثلاثين شهرا أربعة وعشرون التي هي عاما الفصال، فيبقى ستة أشهر، فدلت الآيتان دلالة الإشارة على أن أقل أمد الحمل ستة أشهر، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم كما أوضحناه في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»