أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٥٥
اذبح ولا حرج، وقال: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: لا حرج) قالوا: قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رمى بعد ما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل.
واعلم أن من قالوا: لا يجوز الرمي ليلا ردوا الاستدلال بهذا الحديث قائلين: إن مراد السائل بقوله بعد ما أمسيت يعني به بعد زوال الشمس في آخر النهار قبل الليل قالوا: والدليل الواضح على ذلك: أن حديث ابن عباس المذكور فيه: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يسأل يوم النحر بمنى الحديث، فتصريحه بقوله يوم النحر، يدل على أن السؤال وقع في النهار والرمي بعد الإمساء، وقع في النهار، لأن المساء يطلق لعة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل.
قال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: قال: رميت بعد ما أمسيت: أي بعد دخول المساء وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام، فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل انتهى منه.
وقال ابن منظور في: لسان العرب المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم: إلى نصف الليل ا ه.
قالوا: فالحديث صريح في أن المراد بالإمساء فيه آخر النهار، بعد الزوال لا الليل، وإذا فلا حجة فيه للرمي ليلا، وأجاب القائلون: بجواز الرمي ليلا عن هذا بأجوبة:
الأول منها: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا حرج) بعد قول السائل: رميت بعد ما أمسيت يشمل لفظه نفي الحرج، عمن رمى بعد ما أمسى وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ولفظ المساء عام لجزء من النهار وجزء من الليل، وسبب ورود الحديث المذكور خاص بالنهار، وقد قدمنا الأدلة الصحيحة على أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
الجواب الثاني: أنه ثبت في بعض روايات حديث ابن عباس المذكور، ما هو أعم من يوم النحر، وهو صادق قطعا، بحسب الوضع اللغوي ببعض أيام التشريق، ومعلوم أن الرمي فيها لا يكون إلا بعد الزوال فقول السائل في بعض أيام التشريق: رميت بعد ما أمسيت لا ينصرف إلا إلى الليل، لأن الرمي فيها بعد الزوال معلوم فلا يسأل عنه صحابي.
قال أبو عبد الرحمان النسائي في سننه أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال:
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»