فاتته أنه حجه تام، وقد قدمنا دلالة حديث عبد الرحمن بن يعمر على ذلك.
وأجابوا عن رواية النسائي التي أشرنا إليها التي قال فيها: أخبرنا محمد بن قدامة، قال: حدثني جرير، عن مطرف، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدرك جمعا مع الإمام والناس حتى يفيض منها فقد أدرك، ومن لم يدرك مع الناس والإمام فلم يدرك) ا ه بأن هذه الزيادة في هذه الرواية، لم تثبت.
قال ابن حجر في فتح الباري في بيان تضعيف الزيادة المذكورة: وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءا في إنكار هذه الزيادة، وبين أنها من رواية مطرق عن الشعبي، عن عروة، وأن مطرفا كان يهم في المتون، قال: وقد ارتكب ابن حزم الشطط فزعم: أن من لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام: أن الحج بقوته، ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه، فحكى الإجماع على الإجزاء كما حكاه الطحاوي. انتهى كلام ابن حجر مع حذف يسير.
وأجابوا عن الرواية المذكورة عند أبي يعلى، وغيره: بأنها ضعيفة.
قال النووي في شرح المهذب في كلامه على قول القائلين: بأنه ركن، واحتج لهم بالحديث المروي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من فاته المبيت بمزدلفة فقد فاته الحج) ثم قال: وأما الحديث فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه ليس بثابت ولا معروف.
والثاني: أنه لو صح لحمل على فوات كمال الحج لا فوات أصله. انتهى منه.
وما ذكرنا عن ابن حجر من تضعيف الزيادة المذكورة يعني به ما عند النسائي، وأبي يعلى منها في حديث عروة المذكور.
ومن أدلتهم على أن المبيت بمزدلفة ركن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فعل، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) وأجاب الجمهور عن هذا: بأنهم لم يخالفوا في أنه نسك، ينبغي أن يؤخذ عنه صلى الله عليه وسلم، ولكن صحة الحج بدونه علمت بدليل آخر: وهو حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي المذكور سابقا، الدال على عدم اشتراط المبيت بمزدلفة، كما أوضحنا وجه دلالته على ذلك، والعلم عند الله تعالى.
وأما حجة من قال: إن المبيت بمزدلفة: سنة، وليس بركن، ولا واجب هي: أنه مبيت، فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة. أعني: الليلة التاسعة، التي صبيحتها يوم عرفة، هذا هو حاصل أقوال أهل العلم، وأدلتهم في المبيت بمزدلفة.