أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٣٨
السنة، وعلى هذا جمهور أهل العلم، خلافا للمالكية. وأما المقتصر على النهار دون الليل، فلحديث عروة بن مضرس الطائي، وقد قدمناه قرينا، وبينا أنه صحيح، وبينا أن فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه، وقضى تفثه، فقوله صلى الله عليه وسلم: فقد تم حجه مرتبا له بالفاء على وقوفه بعرفة ليلا أو نهارا، يدل على أن الواقف نهارا يتم حجه بذلك، والتعبير بلفظ التمام ظاهر، في عدم لزوم الجبر بالدم، كما بيناه فيما قبله، ولم يثبت نقل صريح في معارضة ظاهر هذا الحديث، وعدم لزوم الدم للمقتصر على النهار، هو الصحيح من مذهب الشافعي، لدلالة هذا الحديث على ذلك، كما ترى. والعلم عند الله تعالى.
وأما الاكتفاء بالوقوف يوم عرفة قبل الزوال، فقد قدمنا: أن ظاهر حديث ابن مضرس المذكور، يدل عليه، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: أو نهارا، صادق بأول النهار وآخره. كما ذهب إليه الإمام أحمد. ولكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه من بعده، كالتفسير للمراد بالنهار، في الحديث المذكور، وأنه بعد الزوال، وكلاهما له وجه من النظر، ولا شك أن عدم الاقتصار على أول النهار أحوط، والعلم عند الله تعالى.
وحجة مالك: في أن الوقوف نهارا لا يجزئ إلا إذا وقف معه جزءا من الليل: هي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) فيلزمنا أن نأخذ عنه من مناسكنا الجمع في الوقوف بين الليل والنهار، ولا يخفى أن هذا لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح في محل النزاع الذي فيه، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه كما ترى.
واعلم: أنه إن وقف بعد الزوال بعرفة ثم أفاض منها قبل الغروب ثم رجع إلى عرفة في ليلة جمع: أن وقوفه تام ولا دم عليه في أظهر القولين، لأنه جمع في وقوفه بين الليل والنهار، خلافا لأبي حنيفة، وأبي ثور القائلين: بأن الدم لزمه بإفاضته، قبل الليل وأن رجوعه بعد ذلك ليلا لا يسقط عنه ذلك الدم بعد لزومه. والله تعالى أعلم.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أنه لا خلاف بين أهل العلم في صحة الوقوف، دون الطهارة، فيصح وقوف الجنب والحائض، وقد قدمنا دليل ذلك في حديث عائشة المتفق عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها فيه، بأن تفعل كل ما يفعله الحاج، غير أن لا تطوف بالبيت.
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»