إلا أنه يرخص في تركه للحائض خاصة، إذا نفرت رفقتها قبل أن تطهر. قال النووي في شرح مسلم: الصحيح في مذهبنا وجوب طواف الوداع، وأنه إذا تركه لزمه دم، ثم قال: وبه قال أكثر العلماء، منهم الحسن البصري، والحكم، وحماد، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال مالك، وداود، وابن المنذر: هو: سنة لا شيء في تركه. وعن مجاهد روايتان كالمذهبين انتهى منه. وقد نقل ابن حجر كلامه هذا، ثم تعقب عزوه سنيته، لابن المنذر فقال: والذي رأيته في الأوسط لابن المنذر: أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين في طواف الوداع دليلا: أنه واجب.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا سعيد بن منصور، وزهير بن حرب، قالا: حدثنا سفيان، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) قال زهير: ينصرفون كل وجه، ولم يقل في. انتهى منه. فقوله صلى الله عليه وسلم فيه هذا الحديث الصحيح بصيغة النهي الصريح (لا ينفرن أحد) الخ. دليل على منع النفر بدون وداع، وهو واضح في وجوب طواف الوداع، ثم قال مسلم رحمه الله: حدثنا سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لسعيد قالا: حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. ا ه منه. وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض انتهى. منه وقوله أمر بصيغة المبني للمفعول، ومعلوم في علوم الحديث، وأصول الفقه أن مثل ذلك له حكم الرفع. فهو حديث صحيح متفق عليه، يدل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع، مع الترخيص لخصوص الحائض والله يقول * (ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه) *. وهو صلى الله عليه وسلم يقول (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) وقد نهى في حديث مسلم السابق، عن النفر بدون طوف وداع، وأمر في الحديث المتفق عليه بالوداع. فدل ذلك الأمر وذلك النهي على وجوبه. أما لزوم الدم في تركه، فيتوقف على دليل صالح لإثبات ذلك، وسنذكر إن شاء الله ما تيسر من أدلة الدماء التي يوجبها الفقهاء،