واعلم: أن علماء الحديث قالوا: إن وقف هذا الحديث على ابن عباس أصح من رفعه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وقد علمت مما مر قريبا أن حديث ابن عباس المذكور رفعه عطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، والظاهر أن اجتماعهما معا لا يقل عن درجة الحسن، ومما يؤيد ذلك أن ممن روى رفعه عن عطاء سفيان الثوري، وقد ذكروا أن رواية سفيان عنه صحيحة، لأنه روى عنه قبل اختلاطه، وعلى ذلك فهو دليل على اشتراط الطهارة، وستر العورة، لأن قوله (الطواف صلاة) يدل على أنه يشترط فيه ما يشترط في الصلاة، إلا ما أخرجه دليل خاص كالمشي فيه، والانحراف عن القبلة، والكلام، ونحو ذلك.
فإن قيل: المحققون من علماء الحديث، يرون أن الصحيح أن حديث الطواف صلاة موقوف لا مرفوع، لأن من وقفوه أضبط، وأوثق ممن رفعه؟
فالجواب: أنا لو سلمنا أنه موقوف، فهو قول صحابي اشتهر ولم يعلم له مخالف من الصحابة، فيكون حجة، لا سيما وقد اعتضد بما ذكرنا قبله من الأحاديث الصحيحة، وبينا وجه دلالتها على اشتراط الطهارة للطواف.
وقال النووي في شرح المهذب في الكلام على حديث (الطواف صلاة) ما نصه: وقد سبق أن الصحيح أنه موقوف على ابن عباس، وتحصل منه الدلالة أيضا، لأنه قول صحابي اشتهر، ولم يخالفه أحد من الصحابة، فكان حجة كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح، وقول الصحابي حجة أيضا، عند أبي حنيفة انتهى منه.
فهذا الذي ذكرنا هو حاصل أدلة من قال: باشتراط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر للطواف، وأما اشتراط ستر العورة للطواف فقد استدلوا له بحديث متفق عليه دال على ذلك.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث قال يونس: قال ابن شهاب: حدثني حميد بن عبد الرحمان: أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وقال مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا ابن وهب،