أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٧
وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه، وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك، وفيه الحسن بن عمارة، وهو متروك، والمخرج في الصحيحين، وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد. وقال البيهقي: إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين، فيحمل على طواف القدوم، وطواف الإفاضة. وأما السعي مرتين فلم يثبت، وقال ابن حزم: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه شيء في ذلك أصلا. انتهى محل الغرض منه.
واعلم أن دعوى من ادعى من العلماء أن رواية البخاري في هذا الإسناد، عن أبي كامل فضيل بن حسين البصري بلفظ: وقال أبو كامل لها حكم التعليق غير مسلمة، بل الذي عليه الجمهور من المتأخرين أو الراوي إذا قال: قال: فلان، فحكم ذلك كحكم عن فلان ونحو ذلك، فالرواية بذلك متصلة، لا معلقة إن كان الراوي غير مدلس، وكان معاصرا لمن روى عنه بقال ونحوها، ولذا غلطوا ابن حزم في حديث المعازف حيث قال: إن قول البخاري في أول الإسناد: وقال هشام بن عمار تعليق وليس الحديث بمتصل، فغلطوه وحكموا للحديث بالاتصال، لأن هشام بن عمار من شيوخ البخاري والبخاري غير مدلس، فقوله: عن شيخه، قال فلان: كقوله عن فلان، وكل ذلك موصول لا معلق.
واعلم أن قول ابن حجر في تهذيب التهذيب: إن البخاري روى عن فضيل المذكور تعليقا، مخالف لمذهب الجمهور من المتأخرين، لأن قوله: وقال أبو كامل في حكم ما لو قال: عن أبي كامل، وكل ذلك يحكم بوصله عند المحققين، فقول ابن حجر في الفتح أقرب إلى الصواب من قوله في التهذيب. وقد قال في فتح الباري في كلامه على الحديث المذكور، ويحتمل أن يكون البخاري أخذه عن أبي كامل نفسه، فإنه أدركه وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه، ولم نجد له ذكرا في كتابه غير هذا الموضع انتهى منه.
ومعلوم أن أبا كامل مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. وله أكثر من ثمانين سنة والبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، وله اثنان وستون سنة، وبذلك تعلم معاصرتهما زمنا طويلا، وقد قال العراقي في ألفيته: ومعلوم أن أبا كامل مات سنة سبع وثلاثين ومائتين. وله أكثر من ثمانين سنة والبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين، وله اثنان وستون سنة، وبذلك تعلم معاصرتهما زمنا طويلا، وقد قال العراقي في ألفيته:
* وإن يكن أول الإسناد حذف * مع صيغة الجزم فتعليقا ألف * * ولو إلى آخره أما الذي * لشيخه عزا بقال فكذى * * عنعنة كخبر المعازف * لا تصغ لابن حزم المخالف * وإذا علمت أنه في هذه الأبيات صرح بأن قوله: قال فلان: كقوله: عن فلان، تبين لك أن كل ذلك من قبيل المتصل، لا من قبيل المعلق، وقد قال العراقي في ألفيته أيضا: وإذا علمت أنه في هذه الأبيات صرح بأن قوله: قال فلان: كقوله: عن فلان، تبين لك أن كل ذلك من قبيل المتصل، لا من قبيل المعلق، وقد قال العراقي في ألفيته أيضا:
* وصححوا وصل معنعن سلم * من دلسه راويه واللقا علم * * وبعضهم حكى بذا إجماعا * ومسلم لم يشرط اجتماعا * * لكن تعاصرا وقيل يشترط * طول صحابة وبعضهم شرط * * معرفة الراوي بالأخذ عنه * وقيل كل ما أتانا منه * * منقطع حتى يبين الوصل * وحكم أن حكم عن فالجل * * سووا وللقطع نحا البرديجي * حتى يبين الوصل في التخريج * * قال ومثله رأي ابن شيبه * كذا له ولم يصوب صوبه * * قلت الصواب أن من أدرك ما * رواه بالشرط الذي تقدما * * يحكم له بالوصل كيفما روى * بقال أو عن أو بأن فوا * * وما حكي عن أحمد بن حنبل * وقول يعقوب على ذا نزل * * وكثر استعمال عن في ذا الزمن * إجازة وهو بوصل ما قمن * انتهى منه.
فترى العراقي رحمه الله جزم في الأبيات المذكورة، باستواء قال: فلان، وعن فلان، وأن فلانا قال كذا: وأن الجميع من قبيل الوصل، لا من قبيل العلق بالشروط المذكورة. وحكى مقابله بصيغة التمريض في قوله: وقيل كل ما أتانا عنه منقطع الخ.
وبه تعلم أن قول البخاري: وقال أبو كامل فضيل بن حسين الخ من قبيل المتصل لا من قبيل المعلق.
وقال صاحب تدريب الراوي: أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة: قال فلان، وزاد فلان ونحو ذلك، فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه، ومن فوقهم، بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس، كذا جزم به ابن الصلاح، قال: وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة أنه جعله قسما من التعليق ثانيا، وأضاف إليه قول البخاري، وقال فلان، وزاد فلان فوسم كل ذلك بالتعليق، قال العراقي: وما حزم به ابن الصلاح ها هنا هو الصواب، وقد خالف ذلك في نوع الصحيح فجعل من أمثلة التعليق قال عفان. كذا، وقال القعنبي كذا، وهما من شيوخ البخاري. والذي عليه عمل غير واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد، والمزي، أن لذلك حكم العنعنة، قال ابن الصلاح هنا: وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري، وهو أعرف بالبخاري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان أو قال لنا فلان: فهو عرض ومناولة. انتهى محل الغرض منه. والنيسابوري المذكور هو المراد بالحيرى في قول العراقي في ألفيته: وقال صاحب تدريب الراوي: أما ما عزاه البخاري لبعض شيوخه بصيغة: قال فلان، وزاد فلان ونحو ذلك، فليس حكمه حكم التعليق عن شيوخ شيوخه، ومن فوقهم، بل حكمه حكم العنعنة من الاتصال بشرط اللقاء والسلامة من التدليس، كذا جزم به ابن الصلاح، قال: وبلغني عن بعض المتأخرين من المغاربة أنه جعله قسما من التعليق ثانيا، وأضاف إليه قول البخاري، وقال فلان، وزاد فلان فوسم كل ذلك بالتعليق، قال العراقي: وما حزم به ابن الصلاح ها هنا هو الصواب، وقد خالف ذلك في نوع الصحيح فجعل من أمثلة التعليق قال عفان. كذا، وقال القعنبي كذا، وهما من شيوخ البخاري. والذي عليه عمل غير واحد من المتأخرين كابن دقيق العيد، والمزي، أن لذلك حكم العنعنة، قال ابن الصلاح هنا: وقد قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري، وهو أعرف بالبخاري: كل ما قال البخاري: قال لي فلان أو قال لنا فلان: فهو عرض ومناولة. انتهى محل الغرض منه. والنيسابوري المذكور هو المراد بالحيرى في قول العراقي في ألفيته:
* وفي البخاري قال لي فجعله *) خيريهم للعرض والمناوله * واعلم أن البخاري رحمه الله تعالى قد يقول: قال فلان مع سماعه منه لغرض غير التعليق.
قال ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث المعازف المذكور ناقلا عن ابن الصلاح، ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) من جهة أن البخاري أورده قائلا: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك في وجوه. والحديث صحيح معروف الاتصال، بشرط الصحيح، والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا، وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع انتهى منه.
وكون البخاري رحمه الله يعبر بقال فلان لأسباب كثيرة غير التعليق، يدل دلالة واضحة على أن الجزم في مثل ذلك بالتعليق بلا مستند، دعوى لم يعضدها دليل.
وقال ابن حجر في الفتح أيضا في شرح الحديث المذكور: وحكى ابن الصلاح في موضع آخر: أن الذي يقول البخاري فيه قال فلان، يسمى شيخا من شيوخه، يكون من قبيل الإسناد المعنعن. وحكى عن بعض الحفاظ أو يفعل ذلك فيما تحمله عن شيخه مذاكرة. وعن بعضهم أنه فيما يرويه مناولة ا ه، وهو صريح في أن قوله: قال فلان: لا يستلزم التعليق.
فإن قيل: توجد في صحيح البخاري أحاديث يرويها عن بعض شيوخه بصيغة: قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه، وبين ذلك الشيخ.
فالجواب من وجهين:
الأول: أنه لا مانع عقلا ولا عادة، ولا شرعا من أن يكون روي ذلك الحديث عن الشيخ مباشرة ورواه عنه أيضا بواسطة مع كون روايته عنه مباشرة تشتمل على سبب من الأسباب المؤدية للتعبير بلفظة: قال المشار إليها آنفا، والرواية عن الواسطة سالمة من ذلك.
الوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن الصيغة المذكورة تقتضي التعليق، ولا تقتضي الاتصال، فتعليق البخاري بصيغة الجزم، حكمه عند علماء الحديث حكم الصحيح، كما هو معروف.
وقد قال ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث المعازف ما نصه: وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعليق كلها بصيغة الجزم، يكون صحيحا إلى من علق عنه، ولو لم يكن من شيوخه. انتهى محل الغرض منه.
فتبين بما ذكرنا أن حديث ابن عباس المذكور الدال على أن المتمتع يسعى، ويطوف لحجه بعد الوقوف بعرفة، ولا يكتفي بطواف العمرة السابق، وسعيها نص صحيح على كل تقدير في محل النزاع.
ومنها: ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها مما يدل على أن المتمتع يطوف لحجه بعد رجوعه من منى، قال البخاري في صحيحه: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا) الحديث، وفيه قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافا واحدا بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا. ا ه منه.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 387 388 389 390 391 ... » »»