أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٤
ضمير الفاعل في قوله * (يدعو من دون الله ما لا يضره) * راجع إلى الكافر المشار إليه في قوله * (وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والا خرة ذالك هو الخسران المبين) * أي يدعو ذلك الكافر المذكور من دون الله، ما لا يضره، إن ترك عبادته، وكفر به، وما لا ينفعه، إن عبده وزعم أنه يشفع له.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الأوثان، لا تضر من كفر بها، ولا تنفع من عبدها بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى: * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هاؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم فى السماوات ولا فى الا رض سبحانه وتعالى عما يشركون) * وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم * (قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنآ ءابآءنا كذلك يفعلون) *.
إذ المعنى: أنهم اعترفوا بأنهم لا يسمعون، ولا ينفعون ولا يضرون، ولكنهم عبدوهم تقليدا لآبائهم. والآيات بمثل ذلك كثيرة.
تنبيه فإن قيل: ما وجه الجمع بين نفيه تعالى النفع والضر معا، عن ذلك المعبود من دون الله في قوله * (ما لا يضره وما لا ينفعه) * مع إثباتهما في قوله:
* (يدعو لمن ضره أقرب من نفعه) *. لأن صيغة التفضيل في قوله: أقرب دلت على أن هناك نفعا، وضرا، ولكن الضر أقرب من النفع.
فالجواب: أن للعلماء أجوبة عن ذلك.
منها: ما ذكره الزمخشري: قال: فإن قلت: الضر والنفع منفيان عن الأصنام، مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض.
قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم. وذلك أن الله تعالى سفه الكافر، بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا، ولا نفعا، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله، أنه يستنفع به، حين يستشفع به، ثم قال يوم القيامة: يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها: * (لمن ضره أقرب
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»